أكد الدكتور نبيل عبد الفتاح رئيس مركز تاريخ الأهرام، على أن ثورة 25 يناير، أسقطت شرعية ثورة يوليه عام 1952، وبدأت شرعية جديدة، خاصة مع نزول الأعداد الغفيرة من المصريين فى الشارع يوم 25 يناير، فكان واضحا من الغباء والجهالة السياسية أن الثورة فى سبيلها للنجاح.
جاء ذلك خلال فعاليات الجلسة الخامسة، من مؤتمر رؤى نحو نهضة مصرية، والتى تقيمه جمعية المعماريين بدار الأوبرا، بالمسرح الصغير، فى يومه الثانى، بعد أن افتتحه وزير الثقافة الدكتور عماد أبوغازى، صباح أمس الأحد.
وأشار عبد الفتاح إلى أن النظام السابق بطبيعته المتسلطة القمعية، استبعد أجيال كاملة، ليس بغرض الصراع بين الأجيال، مدللا على متوسط أعمار فى مجلس الوزراء الحالى، وبين متوسط أعمار مجلس الوزراء فى بريطانيا، مضيفا: كان التغيير لا يتم إلا بالموت فقط فى مصر.
ولفت عبد الفتاح، إلى وقفة أبناء الطبقة الوسطى فى السويس، والمحلة مضيفا: وكانت الدعوة المستمرة من كبار الكتاب والمفكرين المصريين قبل ثورة 25 يناير، بالاحتشاد، والانضمام، مشيرا إلى أن ما حدث كان جزء منه مفاجأة، قائلا: وجود من خمسة إلى عشرة آلاف فى الشارع المصرى، من الذين شاركوا فى الشارع، كان يعنى أن مصر سوف تتغير، وأن ذلك كان بمثابة أكبر تمرين سياسى فى مصر، لكن فوجئ الجميع أن 75 إلى 80 ألف متظاهر نزلوا فى القاهرة فقط، وفى الليل كان هناك حوالى 40 ألف متظاهر، وأى خبير سياسى كان يمكنه التأكيد من مشهد ظهيرة يوم 25 يناير، أن المنظومة الأمنية ستنهار خلال 72 ساعة فقط.
وأكد عبد الفتاح، على أن مصر شهدت تمرينات سياسية على الثورة كثيرة، بدأت بانتقادات كثيرة للنظام، منذ الثمانينيات، والتسعينات، وحركات الاحتجاج الاجتماعى المطلبية، ثم حركة كفاية، وهى كلها روافد كبيرة، شكلت ما حدث يوم 25 يناير.
وأشار عبد الفتاح، إلى أن الجدل المثار فى مسألة الدين والدولة، هو جدل دخانى، يهدف لخلق ضباب سياسى من أجل تحويله إلى موضوعات كابحة، للتطور السياسى فى بلادنا.
ولفت عبد الفتاح النظر إلى خطورة تجاهل الجماعات العرقية، مثل النوبة، والملف القبطى الممتد، وسيناء، والصعيد، والتمييز على الأساس الاجتماعى، داعيا لتجريم التحيز الدينى والطائفى والمذهبى، مضيفا: فلا يجوز استخدام الفضاء العام، مجالا للترميز الدينى والطائفى، وإصلاح الدولة، وهياكلها يجب أن يكون ضرورة ملحة، نهتم بها.
وأكد عبد الفتاح على ضرورة إعمال مبادئ المواطنة فى كافة المجالات، عبر تفعيل حزمة من الإصلاحات التعليمية.
وهاجم عبد الفتاح السادات، مؤكدا على أن صياغته للمادة 2 ركيكة، بالنسبة لكبار أساطين الفكر الدستورى فى مصر، مشيرا إلى حدوث جدل حول المادة نفسها، فى الصياغة الأولى لها بدستور 1971، قائلا: حيث قصد السادات أن يستميل المملكة العربية السعودية، ودول النفط، فوضع أن الشريعة الإسلامية للتشريع، أما الصياغة الثانية عام 1980، فأضاف أداة التعريف، وحدث ذلك بواسطة أحد أعضاء الحزب الحاكم الذى صحب الرئيس السادات فى رحلته لإسرائيل، وتعرض لانتقادات شديدة، من الأخوان المسلمين، فطلب تعديل المادة بإضافة ألف ولام، أى أن التعديل، لم يكن لوجه الإسلام، وإنما لخلق حالة مواتية له، بعد الانتقادات العنيفة التى واجهها، من التيارات الدينية فى الداخل.
ووصف عبد الفتاح قرارات السادات العشوائية أبان فترة حكمه، بنظام المصطبة السلطانى، مؤكدا على أن الحكام يجب أن يضعوا قراراتهم، بعد الاستعانة بالخبراء، كى لا نقع فى عشوائية القرارات.
وأكد عبد الفتاح، على أن إضعاف الدولة، وإهتزاز فكرة الردع المرتبطة بالمنظومات القانونية، نتيجة طبيعية، لعدم تفعيل دولة القانون، مشيرا إلى أن وضع دستور حديث، برلمانى، أو حتى نظام رئاسى، هو السبيل الوحيد، لاستعادة دولة القانون الحديثة، ولفت عبد الفتاح النظر، إلى الفترة السابقة، عكست سيادة قانون الفوضى.
وقال عبد الفتاح: لا يوجد فى الدستور، ما يسمى بتخلى الرئيس السابق عن السلطة، كما لا يوجد ما يسمى بتفويض السلطات لنائبه، وهو ما يعنى أننا كنا نعيش اختزال الأمة المصرية، فى شكل شخص واحد، كاد أن يصبح إلها، ولم يتنبه الرئيس السابق، إلى خطورة ذلك على المدى البعيد.
ودعا عبد الفتاح، إلى ضرورة التعامل مع هذه المشكلات، بمنطق الملفات، مثلما قامت الحكومة الفرنسية، بإسناد ملف الحجاب والنقاب، إلى مجموعة من الخبراء الفرنسيين.
وأكد عبد الفتاح على عدم وجود ما يسمى بالدولة المدنية، فى علم الاجتماع السياسى، لكن هناك مصطلح آخر، يسمى الثقافة المدنية، لكن هذا الخلط فى المصطلحات، يهدف إلى عدم نقل الحوار من مرحلة إلى مرحلة أكثر رقيا، وتابع عبد الفتاح: الإمام محمد عبده، هو أول من أصطلح هذا المصطلح، ضد مصطلح الدولة الثيوقراطية، أى أن هذا الجدل، حدث قبل قيام الدولة الحديثة، وهو ما يمثل القطيعة المعرفية، فالدولة الراهنة الآن، أكثر تعقيدا، فلا يمكن أن نزج بمصطلح الإمام محمد عبده، فى الجدل الدائر الآن، إلا إذا رغبنا فى المزيد من الغموض.
وتحدثت الدكتورة هبة رؤوف، مشيرة إلى أن النظام المصرى، قام على تآكل الدولة، بنشر الفساد، والإفساد، حيث عمدت النخبة، إلى نشر قيم الفساد، فى كل مكان، مؤكدة على أن مصر تمر حاليا بمجموعة من الأزمات، أولها، أزمة الذاكرة والتاريخ، قائلة: أن النظم التى شهدتها مصر فى المرحلة الأخيرة، تعاملت مع معمار التاريخ، بشكل إقصائى، فردمت بعض المساحات عمدا، وتم التقليل من أهمية التاريخ الإسلامى، والتركيز على العروبة والقومية، وحدث تطور لا متماثل للذاكرة، التى هى ليست اختيارات، وأكدت رؤوف على أن الإسلاميين كان لديهم مشكلة أخرى، حيث لم يجعلوا التيار الإسلامى يعتز بالتاريخ المصرى القديم، أو التاريخ القبطى، والخروج إلى العربية والإسلامية من هذه المساحات التاريخية.
وأكدت رؤوف، على أن الهم القبطى ليس هو الهم الوحيد على الخارطة الآن، مشيرة إلى أن الهم النوبى يعود بقوة، وكذلك الهم " القناوى" مضيفة: لأن الدولة لم تكن حاضرة أمنيا أو تنمويا فى الصعيد، وأشارت رؤوف إلى أزمة أخرى، وصفتها بأزمة التوافق الجيلى، مدللة عليها بالصراع بين الأجيال والتنازع عن نسب الثورة، قائلة: أحيانا أشعر أن هناك فراغ جيلى، يعبر عنه وجود جيل كبير يتصدر المشهد، وينكر الثورة على الشباب، وجيل شاب متحمس، ينسب الثورة لنفسه، ويؤكد على حقه فيها.
وأضافت رؤوف: الجيل الشاب، رأى أنه استطاع أن يسقط نظام باطش، ولذلك تأتى اعتراضات مثلا على مرشحى الرئاسة، ليس على نزاهة المرشح، بل سنه.
ولفتت رؤوف النظر، لأزمة ثالثة، هى أزمة التوافق الوطنى بين التيارات السياسية، وقالت رؤوف: من ضمن الأشياء المزعجة فى التيارات الإسلامية، صدور سلوكيات أقلقت البعض، فأصبح المشهد السلفى مزعجا بعض الشىء، وفى مقابل ذلك، لدينا تيار الأخوان المسلمين، الذى قدم وعودا يلتزم بها حتى الآن.