البروفيسور "محمد عبد السلام" عالم الفيزياء الباكستانى الحاصل على جائزة نوبل له رأى فى أسباب تخلف العالم الإسلامى شرحه فى مقدمة كتاب بالغ الأهمية عنوانه "الإسلام والعلم.. الأصولية الدينية ومعركة العقلانية".. لأستاذ الفيزياء الباكستانى "برويز أمير بيود"، الكتاب صدر عن المجلس الأعلى للثقافة، ترجمة الدكتور "محمود خيال".
ومن أهم تلك الأسباب الوارد ذكرها فى الكتاب:
أولا.. سيطرة الأصولية، وعدم التسامح فى المجتمعات الإسلامية تسبب الخوف لدى العلماء، وتضع القيود على فكرهم.
ثانيا: عدم وجود المناخ العلمى، والمجتمع العلمى، وعدم توافر الدعم الكامل والمعامل (الاهتمام بالفن وبالإعلام أكثر من الاهتمام بالعلوم)
ثالثا: عدم توافر الحرية فى إبداء الآراء والتضييق على أصحاب الفكر غير التقليدي، ومقاومة كل نقد للآراء المتوارثة، ولذلك لا نجد فى المجتمعات الإسلامية ما نجده فى المجتمعات المتقدمة من مناقشات عميقة ومفتوحة وحوارات حرة تسمح بإطلاق العنان للفكر والوصول إلى التجديد والإبداع، الحوارات فى العالم الثالث تدور فى حلقة مفرغة، وتنتهى من حيث بدأت ولا تؤدى إلى نتيجة عملية.
رابعا: ظهور الدعوة إلى أسلمة العلوم، وادعاء البعض من أدعياء العلم أن هناك علم الرياضيات الإسلامى، وعلم الفلك الإسلامي، وعلم الكيمياء، وعلم الأحياء الإسلامي، وحتى علم الإحصاء الإسلامي، بينما العلم هو العلم، لادين له.. فلا يوجد علم هندى، وعلم يهودى، وعلم مسيحى حتى يوجد علم إسلامى، وما يقال عنه إنه علم إسلامى هو علم مزيف، فالعلم له مجاله فى الطبيعة والمادة، والدين له مجاله فى العقائد والأخلاق والمعاملات، والسياسة لها مجالها فى العلاقات بين المواطنين والدولة والعالم وتدخل رجال الدين ومحاولاتهم لفرض سيطرتهم على كل شيء يؤدى إلى اختلال فى ميدانى العلم والسياسة والدين أيضاً، ولم يتقدم العلم فى أوروبا إلا بعد أن انفصل العلم عن سيطرة الكنيسة وتحرر من القوالب الفكرية وبقى ملتزماً بالقيم الأخلاقية التى يفرضها الدين.
خامسا: إن الدول الغنية فى العالم الإسلامى لم تستثمر جزءاً من ثرواتها فى دعم وبناء منظومة علمية متطورة على مستوى العالم الإسلامى كله بدلاً من المحاولات الجزئية لكل دولة بقدراتها المحدودة، ففى بعض الدول الإسلامية كوادر علمية وجامعات ومراكز للأبحاث، ولم يظهر فى العالم الإسلامى حاكم مثل "نهرو" فى الهند بتوجهاته نحو العلم والتكنولوجيا، مما جعل الهند تصل إلى ما وصلت إليه.
سادسا: سلاح التكفير يؤدى إلى الجمود والتخلف، وقد ظل هذا السلاح على رقاب المفكرين والمجددين ودعاة التحديث، فى التاريخ القديم والحديث للعالم الإسلامى، الخوارج حكموا بالكفر على الإمام "عليّ" سيد شهداء أهل الجنة، والمخالفون للإمامين "أبى حنيفة" و"مالك" حكموا عليهما بالكفر، وطارد الاتهام بالكفر شيوخ الإسلام العظام من أمثال "أبى حامد الغزالي"، و"ابن رشد"، كما طارد الاتهام بالكفر العلماء العظام من أمثال "ابن سينا"، و"ابن الهيثم" وطارد أيضاً مفكرى المسلمين العظام من "ابن رشد" حتى "نجيب محفوظ"!
وقد نفذ فى بعضهم الحكم بالقتل على الرغم من عدم وجود كهنوت فى الإسلام..
سابعا: يعوق انطلاق الفكر والبحث العلمى أن بعض الدعاة يفرضون سطوتهم الروحية، ويحتكرون فهم القرآن الكريم وتفسيره ويعطون لأنفسهم سلطة إصدار فتاوى التكفير، وهذه سلطة لم يستخدمها النبى "صلى الله عليه وسلم".. ومن هؤلاء من يتجرأون على الآراء فى برامج التليفزيون وفى خطب الجمعة بآرائهم فى كل شيء من السياسة والاقتصاد إلى التربية والعلوم ويفرضون آراءهم على أهل الاختصاص، كما يفرضون سيطرتهم على عقول العامة بحيث يصعب على أصحاب الفكر الجديد أن يعلنوا فكرهم ليكون موضوعاً للمناقشات والحوار.
يقول البروفيسور "محمد عبد السلام" إنه لم يحدث أن تم استغلال أحاديث علماء الدين ومواعظهم وخطب الجمعة لاستنفار المسلمين وتشجيع الشباب على التوجه نحو العلم والتكنولوجيا على الرغم مما فى القرآن من آيات تدعو المسلمين إلى التفكر والتدبر والبحث فى أسرار الطبيعة والكون والإنسان.
وحتى عندما يتحدث بعض رجال الدين عن تقدم العلوم فى العالم الإسلامى فإنهم يتوقفون عند الإنجازات العلمية التى حققها العلماء المسلمون فى القرون الأولى ولا يحرضون على مواصلة العمل لكى يتحقق فى الحاضر والمستقبل مثل النهضة العلمية التى حققها العلماء المسلمون فى الماضى.