أصدرت الجمعية المصرية للنقد الأدبى أعمال مؤتمر النقد الدولى الرابع حول البلاغة والدراسات البلاغية، والذى عقد فى الفترة من الأول وحتى الخامس من شهر نوفمبر 2006، برئاسة الدكتور الراحل عز الدين إسماعيل فى مجلدات ثلاثة، حرر أعمالها الدكتور علاء عبد الهادى عضو مجلس إدارة الجمعية، وهى أعمال تضم مشاركات ما يزيد على ستين باحثًا فى مختلف مجالات البلاغة، من خمس عشرة دولة، هى مصر والعراق والأردن وتونس واليمن ولبنان والمغرب والسعودية وهولندا وأمريكا وبريطانيا والمجر والتشيك واستراليا وإيطاليا.
وأهديت أعمال هذا المؤتمر إلى روح الدكتور عز الدين إسماعيل، وأشار عبد الهادى فى مقدمته إلى أن البحوث المنشورة فيها تمثل رصيدًا ضخماً ومهمًا للدراسات البلاغية بشتى صنوفها، ومناهجها، بدايةً من الأصول، ومرورًا بالقراءات النقدية للمفاهيم التاريخية، وآليات القراءة البلاغية للنص الأدبي، وانتهاءً بآخر تطوراتها النظرية والتطبيقية الجديدة فى حقول لم تعتد البلاغة التقليدية الاقتراب منها، مثل التناولات التى عالجت البلاغة فى المسرح، والخطاب القضائى، والنصوص الاجتماعية والثقافية، واللوحة التشكيلية، وفن العمارة، وغيرها. وهذا ما يوفر بين أيدى الأساتذة والدارسين مادة خصبة كان يصعب الحصول عليها، دون إقامة هذا المؤتمر، وطباعة أعماله.
تناولت بحوث المؤتمر مجموعة من أهم المحاور النقدية حول البلاغة المعاصرة، والدراسات البلاغية فى النص الأدبي، وفى حقولها الجديدة، حيث يضم المجلد الأول منها وعنوانه "مفهومات بلاغية" قراءة جديدة لمفهومات البلاغتين العربية والغربية، من وجهات نظر ومناهج شتى، ومنها مداخلة صلاح فضل رئيس مجلس إدارة الجمعية الحالى التى انصبت حول (مفارقات البلاغة العربية) والذى اهتم بمأزق البلاغة والمفارقات اللافتة فى هذا الحقل، وأيضًا بحث للبنانى عبد المجيد زراقط حول (التحليل البلاغى العربى بين اتجاهين..نصى وصفى وقاعدى معيارى)، والأردنى ويوسف بكار الذى أسهم ببحث حول (الاختلاس سرقة أم تناص؟) عارضًا مفهومه فى الدرس النقدى العربى القديم، أما المصرى سعيد أبو الرضا فمال نحو البحث فى (الكناية بين الأمس واليوم) معتمدًا على أطروحة جاكبسون الأساسية فى هذا الصدد.
كما انشغل صلاح رزق بمفهوم الحال والمقتضى وذلك من خلال نظريات الخطاب والتلقي. ومن أمريكا قدمت الباحثة سوزان استيتكيفتش ورقة نقدية فى موضوع (من البديع إلى البديعية: دلالة فى دراسة الأسلوب البلاغي) مع الاهتمام بالعصر العباسى الأول واتجاهات البديع مع أبى نواس، ومسلم بن الوليد والبحترى وأبى تمام وصولاً لابن المعتز. وحللت الأردنية مى أحمد يوسف قصيدة (سينية الشاعرة سكن فى مدح المعتصم)، وقدم السيد فضل ورقته معالجةً لـ"النقد النحوى والبلاغة النحوية: قراءة فى نقد الأصول".
وحول (صوت الكاتب ليوباردى الرومانسية والبلاغة) كتب الإيطالى فرانكو دينيتو مفترضا أن الرومانسية كانت هى نهاية عصر البلاغة ثم برزت فى أشعار الشاعر الإيطالي، الرومانسي، ليوباردى جاكومو. وحول موضوع (من سرد البلاغة إلى بلاغة السرد) تدخل الأردنى نبيل حداد لبناء رؤية حول تطور البلاغة فى الرواية العربية منذ الجهود الأولى فى القرن التاسع عشر إلى نجيب محفوظ، وقدم صلاح حسنين بحثه عن (توليد الاستعارة) من خلال الدرس النقدى والبلاغي، أما الباحثة المجرية أيفا انتال فكانت ورقتها فى موضوع (الأمثولة والمفارقة فى القراءة البلاغية التفكيكية).
وتناول المجلد الثانى (البلاغة النقدية: قراءة النص الأدبى من منظور بلاغي) دراسات بلاغية عديدة لنصوص إبداعية عربية وغربية من مختلفة ضمت الشعر والقصة وغيرها، منها دراسة للتونسى مصطفى الكيلانى حول (بلاغة اللامعنى فى الشعر العربى المعاصر). وقدم اليمنى حسن حيدر مداخلة (أصول لآراء بلاغية حديثة فى التراث الأندلسي) مشيرًا إلى جهود ابن بسام وابن شهيد وغيرهما فى بناء الدرس البلاغى بالأندلس. وقدم السعودى عبد الله الفيفى موضوع (القصيدة الرواية وتداخل الأجناس فى بلاغيات النص المعاصر) واتخذ من رواية الحزام نموذجًا لتطبيق فرضية القصيدة الرواية. أما المستشرق الأمريكى ياروسلاف استيتكيفتش فقد عالج (بلاغة الرثاء فى مراثى الدول والزعماء) فى الأدب القديم اليونانى وفى بعض القصائد العربية. وقدم عبد الفتاح يوسف بحثًا عنوانه (السيمياء والاستعارة فى شعر المعارضات)، وعالج فايز عارف فى بحثه (سلطة النص فى اختيار دالات الشكل البلاغي)، وتحدثت مهجة مصطفى عطية عن (بلاغة المقال) عند زكى نجيب محمود ومصطفى محمود ومحمد حسنين هيكل. وقاربت مها سلام رواية (المتمهل) لجون كوتسى من خلال تحليل بلاغى.
أما المجلد الثالث وهو (البلاغة فى الخطابات المختلفة)، فقدم رؤى بلاغية نظرية وتطبيقية ومفهومية جديدة، ومن خلال خبرات بحثية مختلفة، وتناولات بينية متعددة الاختصاص، ومن منظورات نقدية غير مسبوقة فى البلاغة المعاصرة.
ويتضمن بحث الناقد التونسى عبد السلام المسدى حول (بلاغة الخطاب السياسى) ومعالجة رائد الدراسات المابعد كولونيانية الناقد الأسترالى بيل اشكروفت عن (اليوتوبيات النقدية). وقدم ادموند رايت (إنجلترا) موضوع (السرد والبلاغة المعرفية) مشيرًا أنه منذ بداية القرن الماضى أصبحت التحقيقات البلاغية الأمريكية متقدمة دائمًا على الدراسات البريطانية، كما عالج فى اهتمامه ما يسمى البلاغة الإدراكية، دفاع ضد الاعتداءات عن طريق الربط بين صميم اللغة والتعبير وبناء القصة.
ومن الأبحاث أيضًا (بلاغة الشعرية المسرحية) قدم علاء عبد الهادى موضوع البلاغة المسرحية وتوقف عند أهم الإشكالات النظرية والنصية فى هذا الموضوع مستكشفا بلاغات المسرح ورؤاه المتحولة ضمن مستويات مفهومية ثلاث من البلاغة التركيبية والدلالية ثم التداولية فضلا عن بلاغة رابعة هى البلاغة المرجأة. وقدم جميل عبد المجيد (مدخل إلى بلاغة الخطاب القضائي).وعرض رائد الدراسات ما بعد البنيوية هليس ميلر دراسة مفصلة دافع فيها عن (الدراسة الأدبية فى زمن العولمة)، وربط الناقد الإنجليزى برايان اليوت فى بحثه (البلاغة وفن المعمار الحديث) بين حقلين متباعدين. وقدم الناقد المجرى بيتر هادجو بحثا عنوانه (السرد والبلاغة فى التاريخ الأدبي) وقدم الناقد إيهاب حسن قراءة حول العنف. وقدمت الباحثة الهولندية أنتيجيه فون جرافنيتز قراءات بلاغية للوحة التشكيلية، وعرض الباحث العراقى فاضل السودانى بحثه عن تداخل النص الشعرى بالصورة الفوتوغرافية. وتعد المجلدات الثلاثة ثلاثة أسفار بالغة الأهمية لا غنى عنها فى الدرس البلاغى المعاصر.