من شدة الصدمة على نفسى والخوف من التعليق بشكل انفعالى على أحداث إمبابة المؤلمة المؤسفة آثرت الانتظار والمتابعة لما يجرى من قراءات وتحليلات وما صدر من بيانات حكومية قبل أن أُدلى بأى رأى قد يراودنى فيه الشك، نظرا لحساسية الموضوع وخطورته. والآن أتكلم بعد ما أوشك رأسى على الانفجار مما أرى حولى وخلفى وأمامى.
نرى فى معظم القنوات والبرامج المصرية حالة شبه متفق عليها (وهو أمر مثير للريبة!) من تركيز الكلام وتوجيه مسار التحليل بالوقوف على أسباب الفتنة الطائفية أو المؤامرة ومن وراءها؟ وما إذا كان مصدرها من الداخل أو من الخارج أو هى نوع من الإنتاج المشترك! وتطالعنا الصحف والشاشات بقرارات المجلس العسكرى ومجلس الوزراء عن الضرب "بيدٍ من حديد" على كل من تسوّل له نفسه العبث بأمن وسلامة البلاد.
تُرى لماذا ينحصر التعليق دائما على الجناة ولا يذكر المجلسى العسكرى أو مجلس الوزراء أى ملحوظات حتى عن تقصير الجهات الأمنية ومسئوليها؟! لماذا لا يُلوح ولو من بعيد عن الضرب بيدٍ ولو "من صفيح" على المسئول الذى أخفق فى أداء واجبه؟!! وهو ما يتجلى بوضوح من أقوال شهود العيان فى تأخر النجدة وعدم وجود تأمين كافٍ لدور العبادة وبالذات بعد تكرار أحداث فى الماضى القريب تنذر كل من له عقل وحواس بأننا على وشك وقوع كارثة! لماذا لا نسألهم لنعرف أسباب إخفاقهم حتى نتمكن من تجنبها فى المستقبل على أقل تقدير؟ هل ستظل تلك الحصانة "الفرعونية" تحمى كل مسئول فى مصر والشعب وحدهم يُسألون؟ أما كفاكم ستون عاماً من تأليه الحاكم ومن حوله وحمايتهم من طائلة القانون والمحاسبة وما فرّخه من فساد متنامى وتطرف متزايد وانهيار سرطانى فى كل مؤسسات الدولة دون استثاء؟ ألا يُحاسب المسئول إلا بعد أن يسقط نظامه كما هو حال نزلاء "بورتو طره"، ووقتها يُفتح الستار وتبدأ الفرجة والتشفى بعد فوات الأوان؟
ألا تدركون أن دور الشرطة فى الأمن الوقائى أهم من دورها فى البحث الجنائى؟ أليست الوقاية خير من العلاج؟ أليست الوقاية الأمنية أولى مسئوليات الشرطة حسب الدستور والقانون؟ هل قامت الشرطة بواجبها قبل وأثناء الأحداث بنفس الهمة التى تقوم بها فى ضبط وإحضار الجناة والتفاخر بذلك؟ أين دور الحماية لمنع أو حتى تحجيم الكوارث قبل وقوعها؟ وبالذات فى وجود أحداث سابقة مليئة بالإنذارات كما حدث فى صول ومسجد النور وأسيوط على سبيل المثال لا الحصر؟! ما حجتكم الآن وبين يديكم صلاحيات قانون الطوارئ الذى يمنحكم صلاحيات استثنائية كنتم مصرين على بقائها بحجة الظروف التى تمر بها البلاد؟ قانون الطوارئ الذى انكوى به الشعب المصرى لسنين طويلة وما زال به يكتوى كما يكتوى بغياب الأمن الذى تدعون أن هذا القانون يساعدكم على توفيره وضمانه؟ وهل تستطيعون توفير الأمن فيما بعد بدون قانون الطوارئ بعد إخفاقكم هذا الإخفاق وأنتم به تتمتعون؟ أين أنتم يا مسئولون؟ أو بمعنى آخر "من أنتم"؟!! وماذا تريدون إثباته بهذا التراخى غير المبرر؟ وهل أنتم مدركون الثمن الذى يدفعه أبرياء هذا الشعب وأنتم لمقاعدكم فى السلطة حامون وبه لا تشعرون؟
إن الشرطة رسالة قبل أن تكون وظيفة وبناء عليه عليكم بتطهير أنفسكم من "موظفين الداخلية" العاجزين عن تحمل المسئولية وتقبل مخاطر هذه المهمة السامية بشرف وعزم الرجال. هؤلاء الذين لا يجدون فى أداء واجبهم متعة سوى أن يلقبون "بالبيه" و"الباشا" والتسلط على عباد الله وتفريغ شحنات ما يتمتعون به من نقص على بسطاء هذا الشعب المنكوب المطحون. فإذا فقدوا تلك "المميزات" تخاذلوا فى أداء واجبهم وملوا مهنتهم وخافوا على أرواحهم وفرضوا شروطهم، فإما البلطجة والتسلط وإما الشعب يعاقب لتطاوله على "أسياده"، ويجلد بحرمانه من الأمن. عليكم التخلص من هؤلاء مهما كان عددهم، وإذا تسبب ذلك فى عجز فى أعداد الأفراد التى نحتاج إليها، فأنا أقترح الاعتماد على الشباب المصرى المخلص ممن شارك فى اللجان الشعبية التى حمت الثورة فى مهدها من مؤامرة الفوضى التى نسجها النظام السابق. يمكن الاستعانة بمن يتقدم منهم بعد الإعلان عن احتياج الشرطة لأفراد لملىء تلك الفراغات وتوفير ميزانية لمرتباتهم على حساب من تستغنى عنهم الشرطة. وقد قامت القوات المسلحة سابقاً بقرار من اللواء سعد الشاذلى بسد عجزها من الضباط قبل حرب أكتوبر بترقية أعداد من المجندين المتعلمين إلى درجة الضابط وهو ما كان يسمى "بضباط الحرب". ورب ضارة نافعة فالكثيرون من هؤلاء الشباب الشريف المخلص يعانون البطالة، ويمكن فيما بعد التثبيت فى كادر الشرطة من بينهم من يتلقى التأهيل والتعليم الكافى أثناء عمله كلٌ حسب درجته وما تلقى من علوم قانونية وجنائية.
ولكى لا يستمر الوضع الحالى على ما هو عليه، فبعد أحداث إمبابة أنا لا أتردد فى توجيه اتهام التقاعس للسادة المسئولين عن الأمن وعلى رأسهم السيد وزير الداخلية والسادة مساعديه. كلٌ له حصة فى المسئولية عما حدث ولا أحد فوق الحساب مهما كانت صفته أو منصبه.
ختاماً أسأل كل هؤلاء ومن يعاونوهم: لماذا يظل الشعب المصرى هو من يدفع الفاتورة وحده وأنتم تنعمون بكل ما لديكم من بريق المنصب وحصانة السلطة، بالرغم من تضخم حسابكم وتكاليف ما تقترفونه من سلبيات؟
فإذا لم تكن لديكم ردود مقنعة، فيا أيها المسئولون فى الأمن عن هذه المهذلة، إما أن تُحاسبوا وتدفعوا فواتيركم وتتحملوا مسئولياتكم، وإما أن تظهروا لنا ما تبقى لديكم من "الأحمر" الذى نزفه المصريين ولا يزالوا ... واستقيلوا يرحمكم الله!