فى مارس 1989، مع عدد محدود من الشباب الذين لم تتجاوز أعمار أى منهم على 25 عاما، كنا نمضى ليل القاهرة حتى طلوع الفجر، نحمل علب إسبراى ونكتب على الحوائط شعارات تدعو المصريين إلى تذكر الصراع العربى الإسرائيلى، وعدم نسيان القضية الفلسطينية.
كانت الانتفاضة الفلسطينية الأولى قد انطلقت قبلها بعدة أشهر، وتشكلت فى القاهرة لجنة وطنية لدعم الانتفاضة الفلسطينيية كان من بين قادة تلك اللجنة الكاتب الصحفى والمناضل المصرى فى صفوف الثورتين الجزائرية والفلسطينية رؤوف نظمى المعروف باسم محجوب عمر، إضافة إلى الراحلين السفير وفاء حجازى، والصحفى لطفى الخولى، وآخرين.
ومن حسن حظى أن كلفنى الدكتور محجوب عمر بالعمل ضمن اللجنة الإعلامية للجنة المصرية لدعم الانتفاضة الفلسطينية، وكانت مهمتنا تتركز فى إصدار نشرة يومية عن أخبار الانتفاضة، ومد الصحف اليومية بالمعلومات والصور اللازمة التى كانت تصلنا بشكل دائم عبر منظمة التحرير الفلسطينية، وغيرها.. كما كان من بين عملنا غير المعلن كتابة الشعارات الداعمة للانتفاضة والقضية الفلسطينية فى الشوارع حتى لا تغيب عن ذاكرة الناس.
تذكرت هذه الأحداث وأنا أتابع جمعة الزحف التى دعت لها بعض القوى السياسية فى مصر والأردن ولبنان، والداعية إلى زحف الجماهير العربية إلى الحدود الفلسطينية، واختراق المسيرات المليونية لها.
ولست ضد أى عمل شعبى ضد الاحتلال الإسرائيلى، فقد قمت من قبل مع عدد من الأصدقاء بما هو أكبر وأخطر من الكتابة على الحوائط، لكن لا يجوز كشفه، لكن مشكلة العرب الحقيقية من الصراع العربى الإسرائيلى، أنهم كانوا فى معظم الأحوال فى حالة ضعف داخلية لم تمكنهم من التوحد ومواجهة هذا الاحتلال.
وبما أننى عشت الفترة من هزية يونيو 1967 حتى نصر أكتوبر العظيم 1973، ورغم صغر سنى فى هذه المرحلة، لكنه لم يغب عنى أن مصر بجميع أهلها وجهت كل قدراتها إلى دعم المجهود الحربى، أى عمل كل المواطنين طوال ست سنوات كاملة من أجل محو عار الهزيمة، حتى أصبحت مصر جاهزة بجيشها وجبهتها الداخلية، وما تحتاجه من احتياطيات لازمة من الغذاء والوقود وكافة المواد الأساسية اللازمة.
ولو كنت شابا الآن، لتحمست جدا لفكرة المسيرات الشعبية لاختراق الحدود، فقد كنت أفعل ما هو أكثر وأنا فى مرحلة الشباب، لكن خبرة العمر تفرض على التفكير بمنهج مختلف، فنحن نحتاج إلى مسيرات، ولكنها ليست إلى الحدود، وإنما إلى الداخل، مسيرات تعيد بناء مصر، تتصدى للفقر والأمية، والجهل، وتعيد بناء الوطن.. والمواطن.
نحتاج هذا التحرك فى مصر ولبنان والأردن وسوريا وهى دول الطوق المواجهة لإسرائيل، وحين نعيد بناء أوطنانا، ونجعل العلم سلاحنا، يمكننا وقتها أن نشكل قوة تستطيع التغلب على إسرئيل، ليبس فقط بمسيرات شعبية تزحف إلى الحدود، وإنما بالتقدم العلمى، وبإعادة بناء بلادنا، وجعلها قوة اقتصادية وتنكنولوجية قادرة على التحدى، وعلى صناعة الانتصار العربى الغائب منذ سنوات.
mhamdy12@yahoo.com
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة