يوم نكبتنا هو يوم استقلالهم.. الذكرى الثالثة والستين على نكبة فلسطين, يأتى إحياؤها وسط مخاض محفوف بالمخاطر تعيشه المنطقة العربية, وتحتفل به اسرائيل بهز الكؤوس المرتعشة , فقد أيقنت أن رياح التغيير التى اجتاحت المنطقة , لم تعد تذود عنها غبار الرفض, وأن القومية العربية أفاقت من غيبوبتها الطويلة , فاستنهضت معها روح المقاومة واستردت عافيتها, وها هى تطالب بما هو حق لها سلبه الاحتلال لستة عقود , دون أن يردعه أحد .
دعوات الزحف المليونى إلى الحدود, قد لاتكون ناجزة فى هذه المرحلة من التاريخ , غير أن التفكير به إنجاز كبير للقضية الفلسطينية التى مزقتها الصراعات, وانهكتها الخلافات بفعل أبنائها تارة, وتارات أخرى بفعل الأنظمة الاستبدادية التى كانت تسهر على راحة اسرائيل وأمنها القومى, ونسيت تلك الأنظمة أن فلسطين قطعة من جسد الأمة لا يمكن التفريط فيه مهما كانت المبررات.
الدعوة للحشد نحو المسجد الأقصى هى مجرد خطوة رمزية, فالظروف الواقعية غير مواتية, ويبقى موضوع الانتفاضة الثالثة هو الأقرب للتطبيق لما يوجد من فروق موضوعية بين الدعوتين, فالتحضير للانتفاضة الثالثة بات واضحا وجاهزا ومخططا له, وخطواته معروفة وعاش الشعب الفلسطينى مثل هذه الظروف انتفاضتين متتاليتين , بينما الحديث عن الزحف المليونى نحو الأقصى أو القدس , يظل رمزيا للتذكير بهما يوم 15 مايو , كونه يجمع ذكرى النكبة مع دعوة للانتفاضة الثالثة.
ورغم إعلان عدة منظمات ونقابات عربية دعما ليوم الزحف التاريخى ومشاركتها فى مسيرة العودة , يظل فى الحسبان عدة عوامل تحد من تحقيق هذا الهدف الافتراضى , أولها أن الأمن العربى فى حالة ترهل , فما يحدث فى سوريا والأردن ولبنان بسبب المشاكل الداخلية يحول دون ذلك , أضف إلى ذلك أن المناطق الحدودية لايوجد فى معظمها كثافة سكانية, لذا سيكون عدد المشاركين قليلا جماهيريا.
لكنها تبقى خطوة تنعش الأمل الذى تلاشى منذ زمن فى هبة عربية صادقة تشارك فيها محنة أبناء فلسطين الذين اكتوا بنار الاحتلال سنوات طويلة , حمل خلالها الفلسطينى حلمه , وسار به فى طريق المقاومة , تعثر أحيانا , وسطر أجمل بطولة أحيانا كثيرة .
ذاق طعم التشرد واللجوء والنفى والشتات , وعاش حالة الترانسفير بين عواصم الدول , وفى كل محطة يهبط عليها , هو مطالب باثبات الهوية التى حاولت اسرائيل طمسها من الوجود , فإذا ما أخفق الصقت به تهمة الارهاب , وبات ينظر له فى كل مطارات العالم بالريبة والشك ويوصم جواز سفره بعبارة واحدة " شخص غير مرغوب فيه " لا لسبب إلا لكونه فلسطينى .
لم يكن أمامه سوى الاجتهاد والعمل الدؤوب ليل نهار , لاثبات الذات وترسيخ الهوية , نجح كثيرا وحقق انجازات أكثر على مستوى العالم أجمع , لكنه لم يسلم من كيل اللعنات , وأصبح متهما بأخذه فرص لايستحقها , وهو اللاجئ المشرد , الذى فقد الوطن فى غفلة من التاريخ , تراجع الهدف , وانحرف مسار القضية , وبعد أن كانت فى القلب ’ أصبحت هدفا للمزايدة , جيل وراء جيل وجذوة المقاومة لم تنطفئ , تغيرت ملامحها أكيد , وتبدلت استراتيجيتها ممكن , لكن الأمل لم ينكسر فى العودة إلى الديار مهما طال الزمن , إلى حضن الأرض الدافئ , إلى يافا وعكا وحيفا والناصرة , إلى اللد والرملة وعسقلان , إلى مدن وقرى شهدت مجازر التهجير ومحو الهوية , ودفن الذات إلى الأبد, إلى بيوت عتيقة تفوح منها رائحة التاريخ , إلى المروج والحقول والبساتين , إلى بيارات البرتقال , وكروم العنب وأشجار اللوز والزيتون عبق الأرض وعنوانها , إلى "حنظلة" غسان كنفانى , و"جليل" محمود درويش , و"ناصرة" أميل حبيبى وسميح القاسم , إلى" قدس" الإسراء والمعراج والأقصى , إلى بيسان وصفد ورأس الناقورة .. إلى كل شبر فيك يافلسطين , كان عنوان قصة نضال وفى ثناياها سطرت أروع بطولة , وبين تفاصيلها يكمن الألم والأمل , والإصرار على مواصلة المشوار حتى نهايته إما بالنصر أو الشهادة, حتى تتحرر فلسطين جسد الأمة وقلبها النابض , وعقلها المقاوم.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة