إذا ما كان السد العالى أحد أعظم المشروعات القومية الكبرى عقب قيام حركة يوليو، فإن غيره من المشروعات القومية التى خطط لها وقتها لم ير النور، وإذا ما كان لدينا من مشروعات كبيرة خطط لها بعد انتصار أكتوبر العظيم فللأسف لم تكتمل.. إلى أن تبنينا أشباه مشروعات قومية فى السنوات العشر الأخيرة ليتها ما اكتملت.
ولأن التاريخ يعيد نفسه فى أغلب الأحوال، فالحديث يدور اليوم عن مشروعات كبيرة طموحة كمشروع زويل لتطوير التعليم وممر التنمية للعالم فاروق الباز، وأيا كان ما سينتهى إليه الرأى، سواء بالأخذ بهذين المشروعين أم استمرار حبسهما بالأدراج كما كان، فمن المؤكد أن هناك مشروعات أخرى سوف تظهر للنور خلال العام القادم بعد انتهاء شهور الانتخابات وستوصف بأنها كبرى وقومية أيضًا أو وطنية على أقل تقدير.
ما يقلقنى هو تكرار أخطاء الماضى بدافع من الحماس على حساب المعرفة.. إن الذين لديهم المعرفة والعلم غالباً ما يجدون صعوبة فى إقناع الذين يستولى عليهم الحماس، ورغم أن المعرفة أبقى وأكثر نفعاً من الحماس، إلا أن الأخير له دائماً فى البداية بريق أقوى ووهج أعظم تجرى وراءهما وسائل الإعلام.. ويسهل على أصحاب المصالح استخدامهما لوأد المعرفة والعلم فى مهدهما.
والحماس فى أيامنا هذه أصبح بضاعة رائجة، حتى ولو لم يكن له أساس من العلم والمعرفة، فلا أحد يحاسبك على ما تقول بل ليس مهما ما تقول بقدر الكيفية التى تقوله بها! فكلما استخدمت واخترت عبارات رنانة تدغدغ بها مشاعر مستمعيك زادت شعبيتك وازدادوا هم تصفيقاً وتهليلاً لك.
لقد دفعنا الحماس كثيراً نحو مشروعات كانت المعرفة تبدى بشأنها الكثير من التحفظات واكتشفنا بعد فوات الأوان.. ففقدنا الحماس ولأننا لم نستمع لصوت المعرفة ورأى العلم من البداية فدفعنا فى ذلك ثمناً باهظاً. نحن بحاجة لأن نبنى حماسنا على معرفة حقيقة، وسؤال أهل العلم والخبرة، لا أن نبنى الحماس على أساس من عاطفة أو طمعاً فى شهرة أو إطالة البقاء فى منصب.
هناك دائما خيط رفيع يفصل بين الحماس والمعرفة، يجب ألا نتجاوزه مطلقاً ولا نحيد عنه أبدًا، حتى نحافظ على نجاح مشروعاتنا القومية وعلى وقوفنا على أرض صلبة دون أن نستغرق فى أحلام وردية من كثرة الإفراط فى تزيينها طوال الوقت فتتحول إلى أوهام ثم تتبخر كالسراب كلما اقتربنا منها متوهمين أننا قد حققناها.
ووقتها لن نعود من حيث بدأنا، بل قد نتقهقر إلى الوراء كثيراً أو لا نستطيع النهوض وربما نفقد قدرتنا على الحلم مرة أخرى، فنعيش عاجزين أو فى كابوس ما حيينا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة