غريبٌ هو ذاك الشخص الذى عاش على هذه الأرض منذ آلاف السنين، غريبٌ فى إيمانه، غريبٌ فى صبره، غريبٌ فى قوته، غريبٌ فى كل شىء.
فالقارئ الواعى للتاريخ المصرى القديم يستطيع وبكل سهولة أن يستشف دور ذاك الشخص ذا الوجه والجسد النحيلين الأسمرين كالأرض، الذى حمل على كاهله بناء حضارة أذهلت العالم بأثره وما زالت تذهله وستظل.
وعندما تكلم أبو التاريخ هيرودوت عن مصر قال (مصر هبة النيل) ونسى أو تناسى دور المصرى فكم من بلد يجرى فيها النيل ولكنها لم تصبح مصر، ولم تشيد حضارة كحضارتها.
إذن فهناك عوامل أخرى، ومن خلال قراءتى المتواضعة لتاريخ مصر القديمة، وما درسته فى كلية الآثار، أعتقد أن العاملين الأكثر أهمية، بل الأهم على الإطلاق هما المصرى والدين.
فذاك الإنسان الغريب-المصرى-كان الأقدر من بين البشر على فهم بيئته والتناغم معها فأخذ بقلب نابض بحب الحياة وعزم لا يهن، أخذ يشق الترع ويبنى الجسور ويبذر الأرض، ويحصد ثمار تعبه، وشق طريقه فى عمارة الأرض.
ومنذ البداية أخذ يتأمل الكون من حوله وبدأ رحلته الشاقة فى البحث عن المهندس الأعظم للكون، ومن هنا نشأت لديه فكرة الدين، وعندما اهتدى بطريقة أو بأخرى إلى الدين، جعل من نفسه كوكبا يدور فى فلك نجم الدين، فعندما آمن بأن مليكه إلها انساق وراءه يشيد له الهرم أعجب عجائب الدنيا، وعندما أمن بالبعث والخلود ألقى بظلال التجاهل على دنياه وسلط أضواء اهتمامه على أخراه، فبنى مسكنه من اللبن وأخذ يكافح من أجل بناء قبره بالحجر لكونه أدوم وأصلب.
وإذا ما تأملنا آثارنا الخالدة نجدها بين معبد لإله أو هرم لملك أو قبر بسيط لفلاح أبسط، إذن لقد كرس حياته لأخراه، وكان الدين هو عماد حياته ودافعه الأول لبناء الحضارة، فإننا عندما نتأمل سبب اختراعه للكتابة نجد السبب دينى فى المقام الأول فهو أراد أن يخلد اسمه على جدران مقبرته حتى تتعرف الروح على جسده فى الحياة الأخرى.
وعلى الرغم من الدور الكبير الذى لعبه الدين فى حياة مصر القديمة، إلا أنها لم تعرف الاضطهاد الدينى على مر عصورها إلا فى فترة أخناتون ولفترة وجيزة وفى ظروف خاصة، فعلى الرغم من تعدد المعبودات داخل الإقليم الواحد إلا أن هذا لم يسلب حق إنسان أن يعتقد ما يريد ويعبد أى معبود شاء، ولو حدث فى بعض الفترات واختار النظام السياسى معبودا رئيسيا للدولة فلم يفرض عبادته على أحد بل كان معبودا وحاميا للدولة رسميا فقط.
وأما النيل فهو بحق واهب الحياة الأول لمصر قبل المصرى والدين.
إذن فإلى أين تتجه أم الدنيا مصر المعمورة؟
فثلاثية الحضارة أصابها الضعف والوهن وأخذت جميعا طريق اللا رجعة.
فالمصرى منقسم على نفسه بين مسلم ومسيحى وسلفى وإخوانى ومثقف وجاهل بين مؤيد ومعارض بين عامل ومتظاهر.
وأما الدين البانى الأهم لشخصية المصرى وحضارته فلربما يصبح هو معول الهدم لما بنى، وذلك ليس لقصورا أو عيبا فيه-سواء الإسلام الحنيف، أو المسيحية السمحاء- بل لسوء توظيفه وغباء فهمه.
واما النهر الخالد-حاعبى- فتحيطه ظلمات اتفاقية عنتيبى وعبث أيد خفية من وراء الستار.
كل هذا ساقنا إليه جهل نظام سابق نحمد الله على تحريرنا من ظلمه، ولكنه للأسف قبل أن يتركنا أبى إلا أن يهدم ثلاثية حضارتنا.
وفى الختام لكى يا مصرُ منى السلام.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة