هل يعتبر البلطجية ضد الديموقراطية، وهل كل البلطجية يعملون مع جهات خارجية أو فلول داخلية؟. الإجابة بالنفى، فالمرء لا يولد بلطجيا، ثم إن البلطجة فى جزء منها كانت نتاج نظام سياسى واجتماعى مختل يفتقد إلى العدالة. وإذا نجحنا فى انتزاع أسباب البلطجة يمكننا الحديث عن مساهمة إيجابية فى الديمقراطية وبناء المستقبل.
الأحاديث والحوارات والشكاوى لم تتوقف من البلطجة التى تتسع دائرتها كل يوم والجريمة التى تتضاعف، مع دعوات بتشديد العقوبات والصرب بيد من حديد على أيدى الخارجين على القانون. هناك من يرى البلطجة والانفلات الأمنى مقصودة ويعتبرها بدوافع خارجية أو من فلول النظام السابق. ويطالبون بتشديد العقوبات. وهناك من يقدر البلطجية بما يقارب الأربعمائة ألف ونعرف أن بعضهم كان يتم استخدامه من الحزب الوطنى والمرشحين فى الانتخابات والعملية السياسية. أن الكثير من المرشحين ورجال الأعمال يستخدمون البلطجية فى مواجهة خصومهم أو فرض سطوتهم أو تنظيم المؤتمرات وحماية الصناديق. وبالتالى فالبلطجية ليسوا شيئا واحدا وإنما أنواعاً وأشكالا بعضهم من معتادى الإجرام والأغلبية امتهنت البلطجة بسبب الفقر أو البطالة، بل إن بعض من يصنفون ضمن البلطجية أصحاب مهن تعطلوا أو واجهوا الفقر.
ثم إننا لا يمكن أن نتجاهل أن ما يتجاوز ربعه المجتمع على الأقل يسكن فى المناطق العشوائية والفقيرة التى كانت طوال الوقت محرومة من الخدمات أو الأساس الإنسانى للحياة. ولا يعنى هذا أن سكان العشوائيات أو الفقراء يتجهون للبلطجة، لكن الأساس أن كثيرا من السياسيين ورجال الأعمال كانوا يستخدمون البلطجة ويوظفون البلطجية الذين كانوا يعتبروهم بشرا من الدرجة الثانية.
وكان بعض رجال الأعمال والنواب يستخدمون البلطجية ويغذون الظاهرة بدلا من أن يقوموا بدورهم الاجتماعى مثلما هو حادث فى الدول الحديثة والمتقدمة، حيث لا يكتفى رجال الأعمال بسداد الضرائب، بل انهم يساهمون فى إنشاء ودعم جمعيات ومنظمات مدنية تكون مهمتها دعم الخدمات الصحية والتعليمية الأهلية ومساندة الفقراء، لكن ما جرى عندنا خلال عقود هو أن النمو الاقتصادى كان يصب فى خزائن عدد محدود من الأثرياء، بينما يحرم منه أغلبية السكان خاصة الفقراء، وكانت مفارقة أن يبنى العمال الإسكان الفاخر، بينما يعيشون فى عشوائيات ومناطق تفتقد إلى ابسط المطالب الإنسانية.
وبالتالى فإن البلطجية هم قطاع من المجتمع يحتاج إلى دراسة وأن يدمج ضمن أى حوارات حول المستقبل من خلال دراسة أسباب البلطجية والتفرقة بين مجرم معتاد الإجرام وهو موجود فى كل المجتمعات ومجرمين مضطرين لديهم الاستعداد للعودة إلى المجتمع لو توفرت لهم وظائف وتأمين اجتماعى وصحى.
ومع أهمية أن يكون القانون حاسما والأمن حاضرا بحسم فإن جزءا كبيرا من حل مشكلة البلطجة ليست عند الأمن، بل لدى الوزارات الخدمية والاجتماعية التى يفترض أن تدرس هذه الحالات لتتعرف على أسباب الانحراف ولا مانع من طرح مبادرة تفتح باب التوبة لمن ارتكبوا أفعال بلطجة، طالما لم يتورطوا فى أعمال قتل أو سرقة بالإكراه. وبحث ظاهرة أطفال الشوارع التى كانت وما تزال تمثل أزمة كبيرة تحتاج إلى حل. ولا مانع من الاستعانة بعلماء وخبراء المراكز البحثية المهمة مثل المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية الذى يضم علماء وخبراء فى تحليل الظواهر الاجتماعية. وهناك بالفعل دراسات وتوصيات مهمة فى بحث ظاهرة البلطجة والخروج على القانون، وسبل مواجهتها. مع فتح الباب لإعادة تأهيل من يكون مستعدا ومنحه فرصة عمل وضمان اجتماعى، وربما يكون مهما أن ينشغل أصحاب المؤتمرات والائتلافات الكثيرة التى نسمع عنها بمناقشة فتح حوار حول البلطجة وامكانية دمجهم فى العملية الديمقراطية ليشاركوا كمواطنين وليس كخدم لرجال أعمال ومرشحين هم فى الأصل خارجين على القانون.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة