محمود كرم الدين يكتب: حتى تعود إلى توازنك

الأربعاء، 11 مايو 2011 12:04 ص
محمود كرم الدين يكتب: حتى تعود إلى توازنك

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عجيبة تلك الحياة، وعظيم ما خلق الله، أحسن كل شىء خلقه ونظمه فى توازن عجيب، انظر إلى أى من صنع الله قبل أن تمتد عوامل الفساد إليه، ستجده موزون بمقدار يصعب تصوره، انظر إلى حركة الشمس والقمر، أنى للإنسان أن يفسد حركتها، وقارنها بنقاء الهواء فى الصحراء النائية، بل انظر إلى براءة الطفل عند ولادته، هل تصدق أن هذا هو نفسه الإنسان عند كبره؟ وهل تصدق أن هذا هو الهواء بعد تلوثه؟ كان الهواء قبل تلوثه متوازن العناصر، وكان الطفل قبل فساد طباعه متوازن الطباع، لا تجد خوفه يغلب شجاعته، ولا حذره يغلب جرأته، ولا مكره يغلب صراحته، ربما وجدته سهل الغضب والبكاء وبعد لحظات يبتسم لك فى سرعة لا يصدقها إنسان، ما أقدر الطفل على العفو والتسامح، ما أقدر الطفل على عرض مشاعره بدون خجل، إذا أحب إنسان ابتسم فى وجهه، وإذا كرهه صارحه وغرب عن وجهه.

إن التوازن الذى خلق الله به طبيعة الدنيا هو نفسه التوازن الذى خلق به طبائع البشر، تجد الخوف موجود لكنه محسوب لم يتحول إلى رعب، وتجد الحب موجود لكن لم يتحول إلى خضوع أو ذل، وتجد المكر موجود لم يتحول إلى دهاء وغدر، وتجد الحاجة إلى اللعب موجودة لكن سرعان ما تتحول إلى حب اكتشاف وعلم.

ما أحوج هواء الطبيعة إلى اتزان عناصر مكوناتها، وما أحوج عناصر طبائعنا إلى العودة إلى توازنها، إن من رحمة ربنا بنا أن الهواء يعود إلى اتزانه إذا زرعنا مكان فسادنا زرع أخضر ننبته، كذلك مشاعرنا، إن اعترفنا بما فسد وعزمنا على إصلاحه وعملنا بغير يأس أو ملل سنجد توازن طبائعنا تعود إلى معدلاتها الحقيقية بالتدريج، إلى معدلاتها التى خلقنا الله عليها، إلى الهواء النقى الذى ينبت الزرع، إلى العمل المثمر الذى ينتج الإنجازات الحقيقية، إلى السحب البيضاء التى تمطر الماء العذب لا أمطار حمضية مسمومة، ستنير شمس معارفنا رؤيتنا بغير تضخيم للتافه أو تهوين للخطير، لن تحول بيننا وبين تبصرنا بحقائق أنفسنا والآخرين سحب سوداء نتجت من حرق الآخرين لنا، ربما اكتشفنا كم هو صغير ما تخيلناه كبيراً، وكم هو عظيم ما ظنناه صغيراً، ربما اكتشفنا ما بأنفسنا من معجزات، ربما يسهل علينا غفران الزلات، ربما تركنا ما أضاع أعمارنا وانشغلنا بتحقيق الأمنيات، كانت محبوسة بأحلامنا وتحولت إلى مهمات، لا تظن أن هذا من المستحيلات، انظر إلى تاريخ البشر أنظر إلى الحضارات، ستجد شعوب حولت هزائمها إلى انتصارات، لست أقل منهم فى العدد أو الإمكانيات، كانت البداية دائماً إصلاح للخطأ بعد دراسة ما فات، وعزم على عدم تكراره فيما هو آت، وتحمل لنتائج التحديات فى ثبات، هل فهمت مقصدى أم ستظل فى سبات؟






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة