تربسة النافوخ.. جزء أصيل من ثقافة المصريين.. احتار الكثيرون فى تفسيره.. فالبعض أرجعه لأكل الفول.. والبعض الآخر للأصول الصعيدية.. والبعض يرجعه لكذا ولكذا.. ومع اعتذارى لكل من تمسه هذه التفسيرات.. إلا أننى لا أجد نفسى إلا مؤكداً على الدوام على أن تربسة الدماغ جزء أصيل من ثقافتنا وتراثنا وحاضرنا.. وتربسة الدماغ تنتج بالتبعية تربسة للواقع.. فتنشئ المشكلات.. وتحولها لمعضلات وإشكاليات وأزمات وكوارث.. وفى ظل هذه الترابيس المتربسة.. يتساءل الجميع عن المفتاح.. أين هو؟؟ فنجد أنفسنا لا نتحدث أبداً عن مفتاح الحل إلا فى مرحلة الأزمة أو الكارثة.. أما ما قبل هذا فإننا نمارس فعل التربسة اختيارياً وبشكل طوعى.. ويلتقى صاحب كل ترباس مع صديقه الآخر المتربس ليتحولوا جميعاً إلى كيانات متربسة.. وهكذا تتحول الحياة من حولنا إلى ترباس كبير لا نجد له مفتاحاً.. حيث تراكبت الترابيس، وبالتالى لابد أن نجد مفتاحاً لكل ترباس.. فى الوقت الذى ينبغى فيه أن نضع حداً لعدم تفاقم لعبة التربسة المشتركة والمتراكبة.
ولقد ابتلانا الله عز وجل، وله حكمة فى هذا، برئيس كان يمثل أكبر ترباس فى تاريخ مصر، وكان يفتخر بأنه ترباس كبير، وأخد دكتوراه فى العند وتربسة الدماغ أمام كل الظروف.. وعجزنا عن أن نجد مفتاحاً لهذا الترباس الأكبر.. الذى تبنى وربى مجموعة من الترابيس الصغيرة ليشكل النظام البائد أكبر حالة متربسة فى تاريخ البشرية.. وعبثاً حاولنا أن نجد مفاتيح لهذه الترابيس.. فلم يكن أمامنا جميعاً إلا أن نتربس إحنا كمان دماغنا.. فكانت الثورة.. وصار ترباس النظام يواجه بترباس أكبر.. هو ترباس الشعب.. وعبثاً حاول هذا النظام أن يجد مفاتيح لهذا الترباس العظيم.. وهكذا ولأول مرة فى تاريخنا تصل حالة تربسة النافوخ فى الشعب المصرى إلى أكبر صورها الإيجابية.. هى تربسة ضد أى التفاف على الثورة.. بتفاوض، أو بقاء، أو إفلات من حساب.. ومثلت هذه التربسة للمرة الأولى تربسة قوية صارمة على المبادئ.. الحرية.. الكرامة الإنسانية.. العدالة الاجتماعية .. وتخلى كل منا عن ترباسه الشخصى، مؤقتاً، فى سبيل الترباس الأعظم.. إما المبادئ.. وإما (لا) لكل شىء.
ولكن خفوت جذوة الثورة.. جعل كلا منا يبحث فى دماغه عن ترابيسه الفئوية، والشخصية، والطائفية، والعنصرية.. وتباً لها جميعاً من ترابيس.. هذه الترابيس كانت تواجه بترباس النظام البائد المستعصى على الفتح.. أما ونحن اليوم بدون ترباس للنظام.. بما يمكن أن تواجه؟؟ لا شىء للأسف.. الملاحظ أن الثورة كلما تسارع نبضها.. وتسارعت حركتها وإجراءاتها.. تبعث فى كل منا الثقة فى أن يؤجل تربسة نافوخه.. وأن يضحى بترباسه الأصغر فى مقابل الترباس الأعظم.. ترباس المبادئ.. الحرية والكرامة والعدالة.. وحين يتباطأ التطهير.. ويضعف الإنجاز.. وتتشابه الأيام.. وتتكرر الكلمات.. ويمل الناس من الوجوه.. ولا نجد أنفسنا ولا كلمة مصر أمام كلمة عاجل بالشريط الأحمر فى الفضائيات.. يستدعى كل منا ترباسه الذاتى.. الفئوى الطائفى.. وكل من يستطيع أن يجعل كلمة مصر تظهر فى هذا الشريط العاجل الأحمر.. يشعر بالنشوة.. لا يهم فى أى سياق ظهر.. ولا وفق أى تغطية ولا حدث.. المهم أن ترباسه أثبت أنه بدون مفتاح حقيقى.. التربسة نوع من إدمان السلطة.. إدمان الظهور.. إدمان إثبات الوجود.. إدمان إثبات الأفضلية على الآخرين.
الكل فى مصر الآن متربس.. ولا حل سوى بإعادة إحياء الترباس الأعظم.. ترباس مبادئ الثورة.. هذه المبادئ التى ينبغى أن تستمر كل يوم فى خطوة للأمام.. بمعدلات واثقة وخطى ثابتة.. وتطهير مستمر.. وإنجاز يتلو الإنجاز.. إما هذا وإما أن يحمل كل منا ترباسه الشخصى والطائفى والفئوى.. لنصنع ترباساً تاريخياً.. قد يعجز عن فتحه أكبر وأعظم مفاتيح الدنيا
