ناجح إبراهيم

أحداث إمبابة فى فكر داعية

الأربعاء، 11 مايو 2011 07:54 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ألقت أحداث إمبابة الأخيرة بظلالها القاتمة على مصر كلها.. وأخافت الكثير من المخلصين على مستقبل ثورة 25 يناير.. بل إن البعض اعتبرها أكبر ضربة للأمن القومى المصرى بعد الثورة.. وأنها قد تمثل بداية لمنحنى النزول للثورة.. إن لم يتم تدارك مثل هذه الأحداث بقوة وحسم.. خاصة أنه واكب هذه الأحداث عدة محاولات لاقتحام أقسام الشرطة فى القاهرة العاصمة وفى مناطق أخرى.

مما يوحى بحالة من الضعف الأمنى الذى شجع كثيراً من الخارجين على القانون استغلال هذه الظروف الدقيقة للوطن أسوأ استغلال.

ولنا على الأحداث الأخيرة عدة وقفات عاجلة:

أولاً: تبدأ مثل هذه الأحداث ببداية معروفة مكررة، وهى رغبة زوجة مسيحية فى الانفصال عن زوجها لكراهيته أو سوء معاملته أو.. أو.. ثم بعد ذلك ترغب فى الدخول إلى الإسلام لتتزوج غيره.

وهذا ما حدث مع بطلة قصة أحداث إمبابة السيدة عبير.. حيث كان زوجها المسيحى يضربها ويهينها ويقسو عليها ولا ينفق عليها.. وتتولى هى الإنفاق على البيت.

ثم قام بطردها من البيت بعد ولادة ابنتها لكراهيته للبنات .. فذهبت إلى أسرتها ومكثت فيها فترة.. ثم أحبت الدين الإسلامى.. وأشهرت إسلامها فى سبتمبر الماضى.. وتعرفت بالأستاذ ياسين زميلها فى معهد الخطوط.. ثم هربا سوياً إلى بنها حتى قبضت عليها أسرتها هناك وسلمتها للكنيسة فى أسيوط.. لتبدأ من هناك رحلة الكنائس أو الأماكن التابعة لها.

ثانياً: لا ينفى ذلك أن هناك أمثلة صادقة وقوية الإيمان أحبت الإسلام نفسه دون أدنى سبب من هذه الأسباب.. ورغبت فى دخول الإسلام كدين يتوافق مع الفطرة والنفس السوية.. مثل طالبات الطب فى محافظة الفيوم اللاتى دخلن فى الإسلام عن رغبة واقتناع.. وكذلك وفاء قسطنطين وكاميليا شحاتة ونحوهن ممن قرأن عن الإسلام كثيرا ً ودرسنه بعمق ودخلن فيه دون مصلحة ترجى أو هروبا ً من مشكلة.

ثالثاً: وقعت الكنيسة المصرية فى خطأ جسيم بحرمان هؤلاء النسوة من حق أصيل كفلته لهن كل الأديان السماوية.. وكذلك الدستور المصرى وكل القوانين المنبثقة منه.. وكذلك مواثيق الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان.

وتحدث عنه القرآن قبل هؤلاء جميعاً.. حيث قال تعالى: "لاَ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ"، وقال تعالى: "فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ".

ولم تكتف الكنيسة المصرية بذلك.. بل إنها قامت بدور الشرطة فى القبض.. والنيابة فى الادعاء.. والمحكمة فى الحكم بالسجن فى الدير مدى الحياة.. دون زيارة أو خطاب منها للكافة لمعرفة موقفها الحقيقى من اللغو المثار حول إسلامها.

وهذا كله مناقض لمبادئ حرية الاعتقاد وبأسس الدولة المدنية الحديثة.. ولو أن شيخ الأزهر احتجز امرأة مسلمة تنصرت فى المشيخة لقامت الدنيا كلها ولم تقعد من أجل ذلك.. وهبت كل منظمات حقوق الإنسان فى صيحة واحدة تندد بالأزهر.. بل والإسلام نفسه.

ولا أدرى حتى الآن لماذا تصر الكنيسة المصرية على الوقوع فى هذا الخطـأ الفادح الذى أضر بسمعتها كثيرا ً .. وأساء إليها دون أدنى مبرر ودون أدنى فائدة تجنيها من وراء هؤلاء النسوة؟!!

رابعاً: الحركة السلفية عبارة عن قرابة عشر مدارس متباينة .. ومعظم هذه المدارس نأت بنفسها عن الدخول فى هذا الملف.. ولكن فصيلاً واحدا ً يتمركز فى القاهرة والإسكندرية تبنى أزمة المسلمات الرهينات فى الأديرة.. ولكنه أدارها بطريقة طائفية.. وكان الأولى أن يديرها بطريقة حقوقية فيثيرها فى كل المحافل على أنها قضية حقوق إنسان يطرق بها كل منظمات حقوق الإنسان فى مصر وخارج مصر.

وفى هذه الحالة كان الجميع سيتعاطف معه بلا استثناء.. ولكن إدارة هذا الملف بطريقة طائفية جعل هذا الطرف يخسر كثيرا ًويقع فى أخطاء كبرى.. وتكون النتيجة النهائية مدمرة تماما ً لهذا الفريق.. مع تحقيق الكنيسة لمكاسب كبيرة حصدتها جراء رعونة الطرف المقابل وسوء إدارته للملف.. رغم أنه صاحب حق فيه.

إنها قضية حقوقية ناجحة من الطراز الأول وكان يمكن تسويقها إلى كل أصحاب الضمير والعدالة فى كل مكان ليتعاطف معها ويساندها الجميع.

خامساً: أغفل الطرف الإسلامى الذهاب إلى الجهات الرسمية.. وأهمل وحشد الأنصار من ذوى الرأى والحكمة من علماء المسلمين للحث على حل هذه المشكلة بطريقة حكيمة.. واعتمد على الدهماء والغوغاء وسمحوا بدخول البلطجية والسوقة إلى مظاهراتهم.. مما أدى إلى هذه الكارثة التى قد تعيد البلاد خطوات كثيرة إلى الوراء.

سادساً: معظم المشاكل الطائفية تنتج من عدم مراجعة فقهاء الكنيسة وعلمائها لقضية أساسية تنغص عيش الأسر المسيحية ليس فى مصر وحدها.. ولكن فى دول كثيرة.. وهى منع الطلاق إلا لعلة الزنا. فماذا تفعل الزوجة التى تكره زوجها.. أو لا تطيقه.. أو استحالت العشرة بينهما؟

هذه لا تجد مخرجا ً سوى كراهية الزوج.. ثم كراهية الكنيسة التى أغلقت أمامها كل الحلول.. ثم تحب شخصا ً آخر ولا تجد طريقاً ينقذها من حياتها السابقة ويفتح لها طريقاً للخير والحلال والفطرة سوى الإسلام.. فتسلم فتشتاط الكنيسة غيظاً وحنقاً. ولو أنصفت فقهاء الكنيسة وعلمائها مع أنفسهم لراجعوا أنفسهم فى مسألة الطلاق خاصة والأحوال الشخصية لرعايا الكنيسة عامة. وهذا ليس عيبا ً أو ضعفا.. ولكنه دليل قوة وشجاعة.. فكم غير فقهاء المسلمين من آرائهم واجتهاداتهم حلا ً لمشكلات رأوها فى واقع الناس.

ولكن الفقه الكنسى المصرى بالذات عرف بالجمود الشديد حتى درجة التكلس.. فى الوقت الذى تطورت فيه الكنيسة سياسيا ً وإداريا ً وماليا ً وتنظيما ً وإعلاميا ً إلى أعلى الدرجات.

سابعاً: أخطأ الطرف الإسلامى خطأ فادحاً بالتظاهر أمام كاتدرائية العباسية.. وقد قلت لبعض أصدقائى هذا الخطأ له ما بعده.. لأن التظاهر ضد أماكن العبادة يؤدى إلى كوارث لا يعلم مداها إلا الله .. ويدفع أصحابها إلى الاستماتة فى الذود عنها.. فتسيل الدماء التى تكون الوقود الدائم والمتجدد.. فالدماء تولد الدماء.. والثأر يولد الثأر.

فإذا ًأضيف إلى ذلك كثرة السلاح الموجود الآن بين يدى الشعب المصرى ومعظمه سرق من الأقسام أو جاء من ليبيا عرفنا حجم الكارثة المتوقعة.. فضلا ًعن أن مجموعة المتظاهرين هى مجموعات عشوائية.. الغث فيها أكثر من السمين.. وليست لها قيادة موحدة ولا تتبع جماعة منظمة لها قيادة أو انضباط مثل الإخوان أو الجماعة الإسلامية.. إذا علمنا ذلك أدركنا أن حادث إمبابة جاء موافقا ً لتوقعات الكثيرين من المراقبين.

ثامناً: علينا أن نقول بأعلى أصواتنا ودون خجل إن كثرة كاثرة من الشعب المصرى لا تفرق جيدا ًبين الحرية والفوضى.. ولا تميز بين ممارستها لحقوقها والتعدى على حقوق الآخرين. وإن التعصب الدينى موجود بين طوائف كثيرة من الشباب المسلم والمسيحى. وأن هناك حالة استقطاب حادة الآن فى المجتمع المصرى بين الليبراليين والعلمانيين من جهة والإسلاميين من جهة أخرى.. وبين المتطرفين المسيحيين وبين متطرفين إسلاميين من الجانب الآخر. وإن الفكر الوسطى الآن غائب بين الفريقين.. بل إن صوته قد خبا وخفت بعد الثورة.. وذلك عكس ما يتصور البعض.

تاسعاً: لا ينبغى أن ندفن رءوسنا فى التراب ونعزو كل مشكلة فى مصر لفلول النظام السابق.. فهذا استخفاف بالعقول من جهة.. وتكرار لما كنا نفعله فى الستينيات من نسبة كل مصيبة إلى الإمبريالية العالمية و C.I.A والموساد.

فنحن مولعون بنظرية المؤامرة التى تريحنا وتسعدنا وتطمئننا، إننا جميعا ًلسنا سببا ً فى أى مشكلة.

فالمشكلة الطائفية موجودة وأسبابها الحقيقية هو ما ذكرناه آنفاً.. وحلها يكمن فقط فى إنهاء هذه الأسباب مع سيادة الدولة وأخذها لكل من يستعمل العنف بالحزم اللازم.. وبسرعة ودون إبطاء.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة