معصوم مرزوق

منطق القوة واستراتيجية السلام الحقيقى

الثلاثاء، 10 مايو 2011 01:18 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا جدال فى أن ميل الإنسان الطبيعى هو العيش فى سلام ودعة ورخاء، ولا شك فى أن الحروب هى أفظع اختراع بشرى، حيث الدمار والموت والهلاك، ولكن ما بين هذا وذاك، تقتضى الظروف أحياناً أن يتخلى الإنسان عن ميله الطبيعى، كى يقتحم أهوال الحرب، وأهم هذه الظروف هى أن يكون الإنسان فى وضع يصبح معه خيار الموت أقل بشاعة.

ولقد سبق لى أن انتقدت وبشدة مسألة «أن السلام هو الخيار الاستراتيجى العربى الوحيد»، ومن ذلك أننى كتبت مقالاً تحت عنوان «سلام القبور»، تناولت فيه بالتحليل هذه المسألة، حيث أثبت أن «السلام ليس سلاماً، والخيار ليس خياراً»، فالخيار هو اختيار بين بدائل، وحين يقتصر على بديل واحد، فذلك لا يمكن (لغة ومصطلحاً) أن نطلق عليه خياراً وإنما إجباراً أو اضطراراً.

ولم يكن ذلك موقفاً من السلام، بقدر ما كان حرصا على إمكانية تحقيق السلام، فحين تواجه خصمك على مائدة التفاوض وقد خصمت من رصيدك نصف أوراقك، فبالحساب وحده لن تحصل إلا على نصف مطالبك أو أقل، خاصة أن ذلك الخصم استغل إلى أسوأ درجة اقتصارك على ما يسمى «خيار السلام الاستراتيجى»، حيث مارس وبضراوة استخدام كل الخيارات الأخرى المتاحة وأهمها الخيار العسكرى، كى يضعف ويقلل من سقف ذلك «الخيار الاستراتيجى العربى»، ولكى يصل إلى إلصاق هذا السقف بالأرض.

وذلك المفهوم ليس اختراعاً أو جديداً، وإنما هو جزء لا يتجزأ من علم التفاوض، وله تطبيقات عديدة فى التاريخ الإنسانى ليس آخرها التفاوض الفيتنامى/ الأمريكى فى باريس، ولا شك أن هذا التوازن بين الخيارات قد أدى فى النهاية إلى التوصل إلى السلام، وهو ما يؤكد ما ذكرته من أن ما كنا نطالب به لم يكن سوى نتاج إيمان كامل بالسلام، ولكن من خلال استراتيجية كاملة للتفاوض تجمع بين كل البدائل وتستخدم كل الأوراق المتاحة بمهارة من خلال مناورة التوقيت والمكان، واستكمال كل أدوات الضغط لكل بديل على حدة.

ولكى يكون ما سبق أكثر وضوحا، فاننى سأفترض مبارزة بين خصمين، قرر أحدهما أن يغمد سيفه ويمد يده مصافحا للغريم الذى لا يزال مشرعا سيفه، لاشك أن أى حوار بين الطرفين فى تلك اللحظة سيكون حوارا مختلا غير متوازن، وأية مطالب لمن أغمد سيفه لن تكون إلا استجداء ورجاء، بعكس خصمه الذى ستكون مطالبه إملاءات.

وهذا المثال التوضيحى قد تصوب إليه العديد من سهام النقد، وأهمها بالطبع الإشارة إلى احتمال مهارة الغريم وقوة درعه وحتمية انتصاره فى المبارزة إذا لم يغمد الآخر سيفه أو إذا فكر فى إشهاره مرة أخرى.. وذلك مردود عليه بأن المهارة وقوة التدريع وغير ذلك من التراكم المادى يفقد كثيراً من فاعليته إذا افتقد إلى عنصرين أساسيين، أحدهما: الإرادة، وثانيهما: الحق.

وبوصفى مقاتلاً سابقاً مارس القتال ضد إسرائيل أثناء حرب 73، فأنا أعرف بالتجربة مدى قوة هذين العنصرين، فرغم التفوق النوعى للجيش الإسرائيلى قبل عبورنا للقناة، فقد كان لدينا تفوق واضح فى الإرادة والتصميم على القتال، فضلاً عن إيماننا الذى لا يتزعزع بالحق الذى نحارب من أجل استعادته، وكان من الواضح أن جنود العدو الذين واجهناهم كانوا يفتقدون الى هذين العنصرين.. فالمسألة إذن ليست تفوق سيف على سيف، والأمثلة هنا أيضا بلا حصر.

ورغم كل ذلك فالمطلوب ليس إعلان الحرب، بل عدم التخلى عن خيار المقاومة المسلحة، وإمكانية تفعيله وإقناع العدو بجديتنا فى هذا الصدد، لأن مجرد التلويح بالسيف يحقق بعض التوازن فى بيئة المفاوضات، والتخلى عن ذلك لا يكون فى حالة التفاوض بين ندين، وإنما فى حالة الهزيمة الكاملة لطرف يكتب الشروط التى يمليها عليه المنتصر، والنتيجة ليس سلاما وإنما استسلاما، والفارق كبير بين الحالتين، وبالمناسبة ذلك لا يعد وصفا لأطراف الصراع العربى/الإسرائيلى، ولن يكون كذلك إلا إذا استمرت إسرائيل فى تحقيق أهدافها باستخدام كل بدائلها المتاحة مع تشبث العرب بما يسمى "خيار السلام الاستراتيجى".

والهدف الآن ليس إصلاح ما سبق بأثر رجعى، لأن هناك متغيرات عديدة قد حدثت على الأرض وأسفرت عن معادلات معينة اتخذ بعضها وضع الثبات، ولكن الهدف هو محاولة استقراء خريطة استراتيجية جديدة للتحرك العربى على ضوء تلك المتغيرات وأبرزها ما حدث ويحدث حاليا فى الأراضى الفلسطينية.

وأول خطوة يجب أن نتخذها بثبات وتصميم هى إسقاط ذلك الشعار المزيف والذى لم يؤد الى نتيجة ايجابية واحدة، وأعنى بذلك شعار «السلام هو الخيار الاستراتيجى العربي»، وأن نرفع بدلا منه شعارا آخر مفاده «ان الهدف الاستراتيجى هو استعادة كافة الحقوق العربية بكل الوسائل الشرعية بما فى ذلك المقاومة المسلحة» والوصول إلى هذا الهدف الاستراتيجى يتطلب اعتماد وتطبيق مجموعة متكاملة من خطط العمل، أولها خطة إعادة النظر فى أولويات البناء الداخلى لكل دولة عربية وذلك بالتنسيق مع باقى الدول العربية، فرغم أهمية الإصلاحات السياسية المطلوبة، فان الأولوية يجب أن تكون حاليا للإصلاح الاقتصادى والتركيز على الصناعات الثقيلة وصناعة السلاح، ويتوازى مع ذلك خطة تفاوض جماعى حتى إذا قام بها طرف منفرد، تشتمل على العناصر التالية:

1- موافقة كل الأطراف على كل قرارات الشرعية الدولية واعتبارها أسسا لعملية التفاوض بما فى ذلك قرار التقسيم رقم 181 وإقامة الدولة الفلسطينية على هذا الأساس.

2- الانسحاب الإسرائيلى من كامل الأراضى العربية التى تم احتلالها فى الحرب العدوانية التى شنتها إسرائيل فى الخامس من يونيو 1967.

3- حق العودة أو التعويض للاجئين الفلسطينيين طبقاً لقرار الجمعية العامة رقم 194 .

4- عدم شرعية الإجراءات التى قامت بها إسرائيل فى الأراضى المحتلة وخاصة لتغيير الطبيعة الديموغرافية أو الجغرافية لتلك الأراضى.

5- قبول إسرائيل بمبدأ التعويض عن الخسائر التى لحقت بالأطراف العربية نتيجة لسياساتها العدوانية واحتلالها للأراضى العربية.

6- إن طبيعة السلام ترتبط بالمدى الذى يتحقق من المبادئ السابقة.

وظنى أن تلك المبادئ الستة هى الأعمدة الأساسية التى يمكن أن يقوم عليها سلام حقيقى، وليس مجرد هدنة ممتدة أو فرض استسلام على أحد الطرفين، وقد يبدو ذلك طموحاً مبالغاً فيه على ضوء معطيات الواقع وتوازن القوى الحالى، ولكننى أراه قبولا براجماتيا بتلك المعطيات مع فهم حقيقى لتوازن القوى على النحو التالى:

1- أن الطرح السابق يقدم تنازلا جوهريا من الجانب العربى عن أحد أهم أسباب نشأة الصراع وهو تأسيس الدولة العبرية على جزء من أرض فلسطين، وهذا التنازل يعنى القبول بوجود هذه الدولة والاعتراف بها، ولا ينبغى التقليل من أهمية ووزن هذا التنازل لأن ذلك يعنى التقليل من حجم التضحيات الهائلة التى قدمتها الأمة العربية من أجل تصحيح ذلك الخطأ التاريخى.

2- إن قرار التقسيم هو الوثيقة المنشئة للدولة العبرية، ويحمل فى طياته اليوم حلاً لبعض القضايا الرئيسية المعلقة، (القدس، اللاجئين، الحدود، المستوطنات).

3- إن الدعاية الإسرائيلية والغربية تبالغ فى وصف ضعف العرب، ولقد صدقنا دعايتهم، بل أغرقنا فى المبالغة إلى درجة جلد الذات واحتقارها وصولاً إلى الشعور بالعجز، وذلك ليس صحيحاً على الإطلاق، فلدى العرب العديد من عناصر القوة الشاملة التى تحتاج فقط إلى قدر من التنسيق والتوظيف الجيد.

4- إن استراتيجية العمل العسكرى فى ضوء المعطيات الحالية يجب أن ترتكز وبشكل أساسى على عمليات حرب العصابات طويلة المدى لاستنزاف قدرات العدو وإنهاكه، وتفادى التورط فى أية حرب نظامية والتأهل مع ذلك لأوضاع دفاعية لا تجعل قيام العدو بشن هذه الحرب نزهة يسيرة.

5- أهمية خلق نظام دفاعى إقليمى شامل يضم فى دائرته إيران وتركيا وباكستان، يستند على تكامل اقتصادى لأعضاء تلك الكتلة الجغرافية المتماسكة، وذلك ليس بالضرورة مرتبطا ًبالصراع العربى/الإسرائيلى، وانما بمعطيات النظام الدولى الجديد.

6- الإيمان بأن عنصر الزمن فى جانب المفاوض العربي، وعدم السماح للدعاية المغرضة بتسليط هذا العنصر للتأثير سلبيا على نتيجة المفاوضات، فالصراع العربى/ الإسرائيلى هو صراع ايديولوجى قد تدار معاركه فى ساحات القتال، ولكن الحسم والنصر الحقيقى يكون فى العقول، وذلك أمر يتطلب أجيالاً متتالية كى ينتصر منطق على آخر، ولعل مثال صراع الشرق والغرب حتى انهيار الشيوعية أبرز مثال على ذلك.

كل ما تقدم يؤكد بشكل إجمالى أن الانتهاكات التى ترتكبها الآن القوات الإسرائيلية بجنون فى الأراضى الفلسطينية ليست إلا مقدمات معركة هذا القرن، حيث سيشتعل صراع الإرادات إلى أقصى درجاته.

وليس لدى أية أوهام حول النتيجة النهائية أو فلنقل المنطقية لذلك الصراع، فلسوف ينتصر الحق العربي، ولكن يجب أن نعرف أن إدارة الصراع فى المرحلة المقبلة أهم كثيراً من الصراع نفسه، وذلك لاختصار الزمن وحجم المعاناة للوصول إلى النتيجة التى لا شك فيها.

* عضو اتحاد الكتاب المصرى









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة