لم يمر على الثورة المصرية سوى 100 يوم، وخلال هذه الأيام وقعت مفاجآت وأحداث مذهلة، بعضها أسعدت المصريين وأشعرتهم بأن حقوقهم تُرد، وذلك بدخول الفاسدين من أعضاء النظام السابق إلى السجن ومحاكمتهم على كل ما اقترفوه من جرائم فى حق الشعب، حتى وصل الأمر لمحاسبة الرئيس السابق وأفراد عائلته، وحل الحزب اللا وطنى واللا ديمقراطى، والدعوات المستمرة لمحاسبة صغار الفاسدين فى المؤسسات الحكومة، ممن لا يزالون فى مناصبهم، والحكم على وزير الداخلية السابق، فى إحدى قضاياه، وانتظار الحكم فى الثانية، والتى من المنتظر أن تفوق سابقتها فى الحكم، مما أشعر الفاسدين بالخطر الحقيقى، ولجأ أتباعهم لاستخدام الأدوات الدنيئة لإشعال الفتنة.
فالسؤال المنطقى هو: من له المصلحة فى إشعال الفتنة الطائفية فى مصر؟ يوجد كثير من المتربصين بالثورة المصرية وأبنائها، ففى الداخل نبدأ بالمسئولين المتهمين فى قضايا الفساد وإهدار المال العام، وقتل المتظاهرين، المعروضون على القضاء، وغيرهم ممن لم يتم الكشف عنهم ويشعرون أن الدور بات يقترب منهم، وفى الخارج يوجد العدو الصهيونى الأول لمصر الذى يشعر بالفزع من التحركات المصرية لإنقاذ حقوق مصر من مياه النيل، ومحاولة الحكومة استعادة دور مصر الإقليمى فى الشرق الأوسط، والمنطقة العربية، والذى توعد لنا بأنه لن يسكت إذا نجحت المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس، وتأكد أن سياسة مصر الخارجية الآن تمثل خطراً على دولته الباطلة.
فالفاعل الحقيقى وراء هذه الفتن فإنه إما أنه ينتمى لأنصار الثورة المضادة، أو أنصار الصهاينة، والدليل هو إطلاق شائعة بأن فتاة مسيحية أشهرت إسلامها ومحتجزة داخل كنيسة مارمينا بإمبابة، واتضح بعد ذلك أنها مجرد شائعة تسببت فى تجمهر عدد من السلفيين أمام الكنيسة، وتسببت فى تأجيل رئيس مجلس الوزراء زيارته لبعض دول الخليج، والأخطر قيام الآثمين بإحراق الكنيسة لإلصاق التهمة بالمسلمين، وإذا حكّمنا عقولنا، فهل يُعقل أن يحرق المسلمون الكنيسة، ثم يحاولون إطفاءها مع المسيحيين، ولكن الشائعة انتشرت ووقعت الاشتباكات التى تسببت فى مقتل وإصابة عدد كبير من المصريين، حيث كذب الآثمون وصدق المصريون دون وعى، أو علم بالحقيقة.
فقد أصبح بعضنا مشارك فى إحداث الفتنة دون الخوف من تحول الفتنة إلى حرب أهلية، ودون التفكير فى وجود طرف ثالث يشعل الفتنة ويستفيد من ذلك، وهو المتهم بالاعتداء على كنيسة الإسكندرية وحرق كنيسة أطفيح ثم حرق كنيسة مارمينا، فمن الواضح أنه لا يملك سوى هذه الأداة الأخطر على مصر، وللأسف يساعد بعض المسلمين والمسيحيين فى تدمير البلد، فمثلاً السلفيون الذين نصّبوا أنفسهم كحماة لغيرهم، ونسو أو تناسوا أن البلد بها قانون وشرطة وجيش لهم الحق فى التدخل دون غيرهم، فتمسك السلفيون بقضية كامليا وظلوا يؤكدون أنها أسلمت حتى خرجت فى النهاية لتؤكد أنها مسيحية، ولم ولن تشهر إسلامها، فإذا كانت تقول ذلك بإراداتها، إذاً فهى متهمة بالسكوت طوال الأشهر الماضية، وتسببت فى إشعال حوادث الفتن دون أن يتحرك لها ساكن، وكأن البلد ليست بلدها، ولا القضية قضيتها، أما إذا كانت مجبرة على قول ذلك لأنها تخشى الموت، فإن الإسلام غنى عن هذه الشخصية مُزعزعة الإرادة التى تسبب فى إشعال الفتن.
وإذا كانت شائعة احتجاز فتاة مسلمة فى كنيسة إمبابة حقيقية، فما هو دخل المواطنين العاديين سواء مسلمين أو غيرهم فى هذا الأمر؟ فالأمر يرجع لأهل الفتاة، ويرجع للقضاء والشرطة والجيش، لأن محاولة البعض تنصيب أنفسهم كأوصياء على غيرهم باسم الدين يدل على فهمهم الخاطئ للدين، فالعقيدة تكون بين الإنسان وربه، وجميع المواثيق والأديان تؤكد على حرية الإنسان فى اختيار عقيدته دون وصاية من أحد، ومن يختار الدين الذى يريده عليه أن يواجه نتائج اختياره بنفسه، فلابد أن يُدرك المصريون أن البلاد تعانى من تدهور اقتصادى واجتماعى وأمنى، وتحتاج لمن يعمل ويجتهد ويكد ليساعدها على النهوض ويواجه الخطر الأمنى، وأن يتحد مع غيره من أبناء الوطن، حتى تتعافى البلاد من أزمتها.
للأسف أصبحنا مغيبين نتحرك بناءً على شائعات تُطلق، ونعطى لأنفسنا الحق بأن تكون أوصياء على غيرنا دون وعى بالنتائج التى تنجم عن ذلك.، أوقفوا نار الفتنة بالاتحاد والوعى، والإدراك لقيمة الحرية حتى حرية اختيار العقيدة، أوقفوا نار الفتنة بعدم التعدى على حرمة دور العبادة أو حرمة تعاملها مع من ينتمى لها، فالمسلم مُلزم أمام الأزهر، والمسيحى ملزم أمام الكنيسة، فلا يتدخل أى من الطرفين فيما يخص الآخر، ولنتذكر مشهد الثوار المصريين فى ميدان التحرير من المسلمين والمسيحيين، ولنتذكر ضابط الجيش المسيحى ماجد بولس، الذى سُمى بأسد التحرير، والذى دافع عن الثوار لأنه شعر بأنه مصرى، لابد أن يدافع عن جميع المصريين من هجمات البلطجية، فنحن من أقنع فتح وحماس أن يتصالحوا بعد سنوات من الصراع بينهم، فقد وافقوا لأنهم انبهروا بالثورة وعرفوا أن الاتحاد قوة.
ولا شك أننا نحتاج إلى وجود جهة تكون مختصة ليذهب لها من يريد أن يغير ديانته، لكى تُعلن ذلك رسمياً وتكون شاهدة عليه، وأن يتم توثيق ذلك عندها، فمصر باقية مهما حدث، ولكن التنمية والتقدم لن يأتيا إلا بعمل واجتهاد واتحاد أبناء الوطن والدفاع عنه، والالتفات إلى القضايا الهامة دون الانشغال بقضية فرد، أو تنصيب أنفسنا كأولياء الله فى الأرض، فالدين لله والوطن للجميع.
شهرت وهبة تكتب: أوقفوا نار الفتنة التى تخدم الثورة المضادة
الثلاثاء، 10 مايو 2011 02:34 ص