منذ الخامس والعشرين من يناير، وحتى الآن، لم يتغير الكثير فى الإعلام المصرى، لا من حيث الشكل، ولا المضمون، لدرجة يمكن القول معها إن مصر التى تغيرت منذ هذا التاريخ، لم تفلح فى نقل رياح تغييرها إلى الصحافة والإذاعة والتليفزيون التى ظلت بمناى عن التجديد والتغيير والثورة.
وباسثناء حالة الفوضى التى سادت الإعلام القومى، صحافة وإذاعة وتليفزيون، وما تخللها من تظاهرات تطالب بتغيير القيادات فإن المحصلة النهائية لهذا التغيير لم تسفر سوى عن إزاحة قيادات قديمة، والإتيان بقيادات بديلة، لا تختلف كثيرا عما سبقها، باستثناء أنها لم تأت لها الفرصة لإثبات الولاء الكامل للنظام السابق، ومن ثم تولى المناصب القيادية فى الإعلام، لذلك فإن التغيير جاء عملا بمبدأ الأقدمية فى كثير من الأحيان بغض النظر عن التوجهات السياسية، وما إذا كانت القيادات الجديدة دارت فى ماكينة النظام السابق من عدمه.
أنا شخصيًا أرى أن كل التغيير الذى حدث فى الإعلام القومى ليس أكثر من عملية تجميل للوجه، دون أن تطال جسد الإعلام القومى، تماما كما حدث حين سقط رأس النظام السابق وبعض كبار رجال الدولة السابقين، بينما ظل جسد النظام سليما معافا، مع فارق وحيد هو استبدال الولاء للسيد الرئيس إلى عبارة الإيمان بثورة الخامس والعشرين من يناير، والتسبيح بحمد الشباب الذى قاد هذه الثورة.
الثورة الحقيقية فى الإعلام لم تصل بعد، فالثورة تعنى تحرير أشكال الملكية، وحرية إطلاق وتأسيس وسائل الإعلام المختلفة، لكن ذلك لم يحدث، فلا يزال المجلس الأعلى للصحافة هو المالك الحصرى الذى يمنح ويمنع الناس حق الصحف، وفق قانون قديم يسمح لكل صاحب رأسمال بإصدار صحيفة، بينما يمنع هذا الحق عن غيره.
ولايزال اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وفقا لقانونه، هو الوحيد الذى يمتلك حق إطلاق وامتلاك قنوات تليفزيونية أرضية، ومحطات إذاعية على أى موجة من موجات الأثير، وهو وحده صاحب الحق فى التصريح أو المنع دون أن يراجعه أحد.
فلم يعرف أحد فى مصر حتى الآن لماذا تم الترخيص لمحطة إذاعة واحدة هى نجوم إف إم، ولا الإجراءات التى تم اتباعها لكى يحصل أصحابها على هذا الترخيص.
صحيح أنه حدث تطور جديد على صعيد الفضائيات، إذا لم تعد هيئة الاستثمار تطلب موافقة الأمن على تأسيس أية فضائية، لكن الملاحظة المهمة أن تكلفة حجز قناة على القمر الصناعى ناسل سات فى العام الواحد لا تقل عن 300 الف دولار، أى نحو مليون و600 ألف جنيه، هذا طبعا غير سائر المصروفات الآنتاجية الأخرى، ما يعنى أنه لا يمكن لأحد إطلاق فضائية إلا إذا كان مليونيرا أو جماعة تمتلك أموالا كافية لإصدار محطة والإنفاق عليها وهى فى حالة القنوات العامة لا تقل تكلفتها عن عشرين مليون جنيه سنويا مع ربط الوسط والبطن وإعلان حالة التقشف.
التغيير وصل إلى مصر، ولد فى ميدان التحرير، أسقط رئيس، وسجن رؤساء حكومة ومجلس شعب ومجلس شورى، وعدد من الوزراء وكبار المسئوليين، لكنه لم يفلح فى تحرير الإعلام، وفى إحداث ثورة تمكن الناس من امتلاك الصحف ومحطات التليفزيون الأرضية، والقنوات الإذاعية، ولم تقترب من شكل ملكية الصحافة القومية، وأقصى ما فعلته أنها "شالت ألدو وحطت شاهين".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة