معتز نادى يكتب: العميد

السبت، 09 أبريل 2011 10:00 م
معتز نادى يكتب: العميد د. طه حسين

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"يعتمد مراد سيد أحمد باشا وزير المعارف تعيين طه حسين أول عميد مصرى لكلية الآداب، ويبلغ هذا الخبر لمدير الجامعة أثناء اجتماع لمجلس الجامعة كان طه حسين يحضره ممثلا لكليته، فيقدم المدير تهنئته للعميد الجديد، ويقترح عليه أن يقابل الوزير فى صباح اليوم التالى للشكر.

ويعرف مدير الجامعة أثناء الجلسة أن رسولا أرسله وزير المواصلات توفيق دوس باشا يريد مقابلة الدكتور طه حسين مقابلة عاجلة فيأذن للعميد الجديد فى مغادرة المجلس لمقابلة رئيس الوزير.

ويعود طه حسين بعد مدة قصيرة إلى قاعة الاجتماع صامتا ثم ينصرف عند انتهاء الاجتماع دون أن يتحدث إلى الرئيس أو إلى الأعضاء فى أمر الرسالة التى حملها إليه رسول وزير المواصلات.

وفى صباح اليوم التالى يستقبل وزير المعارف عميد كلية الآداب الجديد وقد جاء للشكر على التعيين ولكن الوزير الذى يكرر تهانيه ينتقل إلى موضوع كلفه رئيس الوزراء بالحديث فيه.

إن جريدة جديدة باسم جريدة الشعب ستصدر قريبا بإمكانات غير محدودة لتكون لسان حال الحزب الذى أسسه صدقى باشا وهو حزب الشعب ودولة الرئيس يعرض على طه حسين رئاسة تحرير هذه الجريدة.

وطه حسين يجيب بأن دولة الرئيس كان فى اليوم السابق قد كلف شخصين آخرين بأن يتحدثا معه فى هذا الموضوع، وهما وزير المواصلات توفيق دوس باشا وعبد الحميد بدوى باشا وأن جوابه فى الحالين كان هو الرفض بغير تردد.

إنه لم يمض على انتخابه عميدا لكلية الآداب غير يوم واحد وهو أول عميد مصرى للكلية وهو لا يريد أن يترك دراساته ولا زملاءه الذين انتخبوه ولا تلاميذه ولا كليته.

ويقول مراد سيد أحمد إن إسماعيل صدقى لا يريده أن يترك دراساته بل يريده أن يتابع فى صحيفة الشعب نشر مقالاته الأدبية وبحوثه إلى جانب المقالات السياسية وأن سيكون فى التحرير حرية كاملة ورئيس الوزراء يؤكد أيضا أن مطالب طه حسين كلها، مادية وغير مادية مجابة مقدما.

و يكرر طه حسين الرفض.

يقول الوزير: يظهر أن دولة الرئيس يعرفك جيدا فقد كلفنى أن أعرض عليك – إذا لم ترغب فى رياسة التحرير – أن تبقى عميدا لكلية الآداب على أن تكتب المقال الافتتاحى للجريدة فقط.

و يرد طه حسين: ليس إلى هذا سبيل.

فيقول الوزير وهو يرجع إلى ورقة أمامه: إن صدقى باشا يقترح عليك موضوع المقال الافتتاحى فى العدد الأول للجريدة وهو (أن وجود حزب الشعب ضرورى لتحقيق المصالح المصرية الصحيحة).

ويرد طه حسين وهو يبتسم ابتسامة فيها شىء من الأسى: دولة الرئيس يحسن اختيار العناوين!
ويقول الوزير: وهو أخيرا يرضى بأن تكتب المقال على أن ينشر بغير إمضاء.
فيقول طه حسين: (ليست المسألة يا معالى الوزير أن أكتب مقالا يملى على موضوعه أو لا يملى، وأن أمضيه أو لا أمضيه، وأن أتحكم فى مقابله المادى أو لا أتحكم، إننى لا استخفى إذا أردت أن أقوم بعمل من الأعمال).

المسألة يا باشا أننى لا أعرف إن كان وجود حزب الشعب ضروريا لتحقيق المصالح المصرية الصحيحة أم لا، ولكننى أعرف أن المصالح الصحيحة هى فى انصرافى إلى عملى فى كلية الآداب، الذى لم يمض على تعيينى عميدا لها غير يوم واحد.

إن كتابتى فى جريدة الشعب تضرنا جميعا ولا تنفع أحدا وليس من مصلحة الحكومة أن يعرف الناس أن الموظفين يكتبون فى صحيفتها، ولا ينبغى لعميد كلية الآداب أن يسخر نفسه للكتابة فى صحف الحكومة، فبتعرض بذلك لازدراء الزملاء والطلاب جميعا.

كانت السطور السابقة هى جزء من فصل بعنوان العميد والذى جاء ضمن كتاب ((ما بعد الأيام)) وهو صادر عن دار الهلال وقد كتبه الدكتور محمد حسن الزيات بأسلوب بديع يدفعك لقراءة الكتاب من الجلدة للجلدة.

أرجوك أن تنظر بعناية لكلمات عميد الأدب العربى طه حسين ذلك الدكتور النابغة والذى كان أول عميدا مصريا يأتى بالانتخاب فى الجامعة المصرية.

لقد أعلنها الدكتور طه حسين برفضه لأى عمل سياسى يستخدم اسمه وقلمه وإسهاماته من أجل تزيين وجه حكومة إسماعيل صدقى.. بل ولم يخرج طه حسين ليقل إن رأيه هو يفترق عن منصبه الأكاديمى.

ذلك العميد للأدب العربى اهتم ببحوثه ودراساته ولم يخرج "هتيفا ومصفقا" للحكومة بل ولم يخش على منصبه الذى لم تبرد نار الوصول إلى كرسيه لكنه اختار أن يحفظ ماء وجهه حتى لا يأتى التاريخ ليحكم عليه بأنه مات فى دباديب أحضان الحكومة لدرجة جعلته يتغنى بها وبإنجازات القائمين عليها كذبا وزورا.
رفض العميد أن يكون عبدا للحكومة ينافقها بأدواته الأدبية التى يجيدها وقرر اختيار الاحترام من زملائه وطلابه.

أديبنا العربى طه حسين الذى فضل منصبه الأكاديمى وبحوثه وداوم على كتاباته الفكرية التى لا تتشدق بالحلاوة للحكومة والضرر لمن يعاديها.

رحم الله صاحب اللغة العربية اليسيرة غير العسيرة فعلى الرغم من غياب نعمة البصر لديه إلا أنه كان يمتلك نعمة البصيرة المحجوبة عن أناس مبصرين لا يدركون ما يفعلون.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة