تلعب النوافذ دوراً هاماً فى جعل المنازل أكثر جاذبية، والاهتمام بتزيين النوافذ من شأنه أن يجعل من النافذة نقطة محورية فى أى غرفة، حيث تضفى النوافذ موجة من السحر فى الغرفة من خلال نفاذ ضوء الشمس وتمرير نسمات الهواء البارد إليها، ومن خلالها يمكن رؤية ومتابعة الآخرين والتعرف على ما يدور حولنا.
وإذا تأملنا ما تركه لنا أسلافنا من تراث عظيم فى المبانى نجد الإبداع والتفنن فى تنفيذ النوافذ، من حيث مكانها والأشكال والأحجام والزوايا والتنويعات والزخرفة وغيرها لإدراكهم أهميتها وعظم شأنها.
أما اليوم فأصبح الإبداع والتفنن فى غلق هذه النوافذ إما بلاصق خارجى أو داخلى أو ستائر معتمة بل وصل الحال إلى وجود مبان وأبراج شاهقة بدون نوافذ، والاستعاضة عن ذلك بألواح معدنية ومكيفات وأجهزة الهواء المستعار، مما أنتج كتلا خرسانية صماء ومسوخا مشوهة من المبانى.
والمتأمل فى وضع حركات الإصلاح اليوم، من حيث تشكيل عقول أبنائها، يدرك بحق أنها تعانى من أزمة حقيقة، وهى تعطيل العقل عن إنتاج سبل جديدة للتنمية وإبداع وسائل مبتكرة للتغيير، وبالتالى تعطليه عن إحداث النهضة.
وذلك بإغلاق نوافذ المعرفة عنه أو الوصاية عليها أو وضع ستائر معتمة تحول بينه وبين التعرف على الآخر وتجاربه وأفكاره لتتكون لدى الفرد ملكة دراسة الأشياء ومعرفتها على ما هى عليه دون تأثر بعاطفة أو معهود أو موروث.
ومجالات المعرفة كثيرة وتختلف باختلاف سبل وأوجه العلوم والثقافة، ولا يجب أن يقف الناس عند حد معين فى معرفتها لشىء ما، لأن حركة التطور وأزلية هذا التطور مستمرتان على مدى الحياة.
إن غلق نوافذ المعرفة أو اقتصارها على مصدر واحد لا تتجاوزه، يضع قيودا على العقل مثل تأصيل الاستكانة إلى قبول مقولات معرفية وثقافية وسياسية واقتصادية وتاريخية دون دراستها أو التأكد من صحتها، أو محاولة تسيير الواقع الحالى عليها، رغم تغير الظروف والأحوال.
إن العقل حينها يعيش فى حالة من التهويل أو التهوين، أو التعميم المفرط، أو التأويل الشخصى للأمور، وعزل الأشياء عن سياقها، أو قراءة المستقبل سلبياً، أو الانهزام الداخلى وضعف الثقة بالنفس، أو التقديس لكل ما هو قديم، أو التسليم بكل ما يقال، أو التعصب لفكر جماعته، فعندما نغلق نوافذ المعرفة فإما كل شىء صحيح أو لا شىء صحيح، وإذا أبدى أحد رأياً مخالفاً أو جديداً قوبل بنوع من الشك والتربص.
فعلى قادة الحركات الإصلاحية ومفكريها أن يعلموا أن نجاح هذه الحركات مقياسه الصحيح النجاح فى المشروع الحضارى وإقناع الناس به وصرفهم إليه، وفى التغيير الثقافى الذى يحدث الإيجابية والفاعلية وينقل الناس من طور إلى طور.
وهذا لن يتحقق إلا إذا فتحوا نوافذ المعرفة، وقاموا بتعديل البنية المعرفية لهذه الحركات، ممثلة فى أشخاصها ومؤسساتها من خلال تحليل مكونات تشكيل هذه العقول، والتعرف على مصادر روائه، وتحديد مواريثه الفكرية وغربلة تلك المواريث، وتسليط الضوء على أهمية تبنى منهج الاستقراء فى التعاطى مع عالم الحضارة، وفق مصادر الوحى السماوى، ووفقاً لمعيار الفهم الصحيح.
فيصير كل فرد فيها قادراً على أن يسهم فى الإنتاج والإبداع الحضارى، شأنه شأن كل عقل حر يتحرك فلا تثقله القيود والموروثات الخاطئة، وأن يتحول من رفع الشعارات الفضفاضة إلى الإبداع والابتكار لوسائل علمية واقعية قابلة للتطبيق فى حياة الناس وواقعهم ومستقبلهم لأنه كما قيل: "إن المعرفة قوة، إنها تعنى أن نعرف فنتنبأ فنستطيع".
وأحسب أن مصير هذه الحركات مرهون بمدى تعاملها بصدق وفاعلية مع هذه الأزمة البنائية.
د.ماجد رمضان يكتب: افتحوا نوافذ المعرفة حتى لا يتعطل العقل
السبت، 09 أبريل 2011 12:14 ص
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة