شجرة عمرها ثلاثون عاما.. ضخمة جدا.. جذورها ممتدة فى أعماق الأرض، وفروعها كبيرة ومتشعبة.. لا تطرح إلا شوكا.. لا يستطيع الناس أن ينتفعوا بها، أو يستظلوا بظلها من كثرة الأشواك المتناثرة تحتها، والتى تفسد الأرض من حولها.. ولكن عدد قليل من الناس ينتفعون من أذاها للناس بأشواكها، ويفرضون إتاوة على كل من يمر بالقرب منها محاولاً أن يبحث عن منفعة فيها، ولكن دون جدوى.. ويظهر بالقرب من هذه الشجرة الضخمة شجيرات، تبدوا خضراء ولكنها لا تغنى ولا تسمن من جوع، فهى تستمد حياتها من الشجرة تلك الشجرة الأم.
الحال يضيق بالناس يوما بعد يوم، وهم يسعون هنا وهناك من يبحثون عن أرض خصبة، وأشجار مثمرة، وبينما كاد اليأس أن يقتلهم، وجدوا أخيرا شجرة عالية تظهر من بعيد، فقرروا أن يذهبوا إليها، آملين أن تكون أرضها خصبة، ولكن المنتفعين من الشجرة الخبيثة أشاعوا أن ثمار هذه الشجرة مسمومة، وأنها سوف تسقط فوق رؤوسهم، فصدقهم بعض الناس، ولكن الكثير منهم لم يصدق، وانطلقوا إلى الشجرة فوجدوا أرضها خصبة وثمارها طيبة، وخالية من الأشواك فاخذوا يزرعون الأرض، وينتفعوا بها، حتى نبتت شجيرات كثيرة، و لها ثمار طيبة فضاقت عليهم الأرض بعد أن كثر الناس فيها، فقرروا أن يسقطوا تلك الشجرة الخبيثة لكى يستصلحوا أرضها، وينتفعوا بها.
هنا اتحدوا جميعا، وأجمعوا على إسقاطها، وذهبوا إليها حاملين الفئوس، والأسلحة، وأخذوا يقطعون جذعها الضخم فهاجمهم المنتفعون، وقتلوا بعضهم، ورموا الأشواك تحت أقدامهم، وفوق رؤوسهم ولكنهم صمدوا، فقرر المنتفعون أن يتفاوضوا معهم، وعرضوا عليهم أن ينزعوا كل الأشواك، ويشاركوهم فى زراعة الأرض بنباتات نافعة، ولكنهم رفضوا إلا أن يسقطوا الشجرة، فقال المنتفعون: إن سقطت الشجرة فسوف تعم الفوضى، وسيخرج الجرذان من الجحور، وسوف تقاتلون بعضكم البعض، وستهاجمكم الوحوش من كل مكان، فهى التى تحمينا جميعا من كل الأخطار، ولا تنسوا أنها هى من حمتكم من الوحوش من أكثر من ثلاثين عاما.
إلا أن الناس أبوا إلا أن يسقطوها، فسقطت من فوق الأرض وتخلص الناس من أذاها وأصبحوا أحرارا، واتسعت الأرض لهم وقرروا أن يستصلحوها، ويزرعوها بكل الخيرات لكى تعم على الناس جميعا، وأصبح المنتفعون منبوذين، ومكروهين من الناس.. فأخذوا يشعلون نار الفتنة بينهم، فقسموهم هذا كذا وهذا كذا وإن كذا يفعل كذا، وكذا يقول كذا، حتى بدؤوا ينسون أرضهم واهتموا بالخلافات والاحتقانات والفتن، ونسوا أن الشجرة مازالت جذورها ممتدة فى الأرض، والمنتفعون منها يحاولون إنبات فروعا جديدة منها، حتى تعود من جديد، وتلقى بأشواكها فوق رؤوس الناس، وتحت أقدامهم.
فهل ينتبه الناس إلى ذلك أم يظلون منشغلين بمصالحهم وأحوالهم؟ وهل يستطيعون أن يزرعوا فى أرض يحتوى باطنها على جذور خبيثة؟ أم من باب أولى أن ينزعوا تلك الجذور نهائيا، ثم يبدؤوا استصلاح الأرض من جديد؟ القصة مستمرة، ومازال هناك العديد من الأشجار التى تفقد الأرض خصوبتها، و تفسد بيئتها، ولابد أن تنزع من جذورها، حتى يتشكل البستان الكبير الجميل الممتلئ بكل الثمار الطيبة النافعة.
