أكد عدد من الأدباء والمثقفين أن هناك صعوبة فى انضمامهم للأحزاب السياسية؛ وذلك لأن نظرة المثقف أو الأديب النقدية ستمنعه من الالتزام الحزبى والتوافق مع ما يراه هذا الحزب، بالإضافة إلى نظرة الأحزاب المتعالية للمثقفين وتهميشهم دائمًا وهو ما تعبر عنه برامج هذه الأحزاب، مؤكدين على أن ذلك لا يمنع المثقفين من المشاركة فى الحياة السياسة بأفكارهم والنزول إلى الشارع والاختلاط بكافة أطيافه.
الشاعر رفعت سلاَّم قال لــ"اليوم السابع": وفقًا لتاريخ الأدباء فى العصر الحديث فليست هناك قاعدة فعلى سبيل المثال كان الشاعران الفرنسيان الكبيران "أراجون" و"إلوار" كانا عضوين فى الحزب الشيوعى الفرنسى لكن "سارتر" مثلاً لم ينضم لأى حزب، والأمثلة كثيرة على هذه الحالة، مضيفًا "وفى مصر كان لدينا أعضاء من الأدباء والمثقفين بالحزب الشيوعى المصرى مثل الروائى النوبى خليل قاسم وصنع الله إبراهيم، ولكن مع الظروف الحزبية الجديدة فإننا نجد كثيرًا من الأدباء قد انضموا لهذه الأحزاب.
وأوضح سلاَّم "وبرأيى أن هناك صعوبة فى انضمام الأدباء والمثقفين إلى الأحزاب السياسية، وذلك لأمرين، أولهما تعود لنظرته النقدية والتى تمنعه من الالتزام الحزبى والتوافق مع ما يراه هذا الحزب، وبالتالى سيكون دائمًا خارجًا عن مفهوم الالتزام الحزبى، وثانيًا أن الأحزاب السياسية لن تسمح له بتلك المساحة من الرأى والخروج عن آرائها"، مضيفًا "وإذا نظرنا لبرامج الأحزاب المختلفة سنكتشف أنها تقوم على هذا التهميش والنظرة المتعالية للثقافة والمثقفين، وهو ما لا يليق بالثقافة المصرية التى أنجبت طه حسين ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وغيرهم".
واقترح سلاَّم إمكانية تأسيس حزب سياسى يضم أطياف المثقفين، خاصةً أن القانون الآن يسمح بذلك، وأن يقوم هذا الحزب القيمة الاستقلال للمبدع، فضلاً عن الحرية المتعلقة بالرأى والإبداع والتفكير والمعتقد بلا وصاية من أى طرف أو جهة، ولا قيد من قانون أو مؤسسة، وأن يساهم المبدعون فى دعم الحزب ماديًا بالإضافة للتبرعات غير المشروطة.
وأوضح سلاَّم "وبالتالى سيسرى على هذا الحزب ما يسرى على بقية الأحزاب السياسية، ويكون له تمثيل فى مجلس الشعب وتكون اهتماماته بأحوال الثقافة، عكس ما كان الحال عليه من قبل، لم يحدث فى مرة من المرات أن رشح المثقفون أنفسهم فى الانتخابات، فضلاً عن أن التجربة الحزبية التى نشأت لدينا فى السبعينيات كانت تجربة مشوهة ظهرت بقرار من الرئيس السادات، ثم انتهت إلى مساخر الحزب الوطنى، فهى تجربة لا يضعها أحد فى الاعتبار".
وقال الشاعر محمود قرنى لقد ظل اعتقاد المثقف بدوره "النبوى" حائلاً بينه وبين الانخراط فى العمل السياسى تحت أوهام كثيرة أظنها يجب أن تتغير وتزول بعد الثورة، فالمشاركة فى الحياة السياسية فرض عين على كل قادر على التأثير فى الرأى العام.
وعارض "قرنى" فكرة تأسيس حزب سياسى للمثقفين، موضحًا "لأنه سيكون حزبًا فئويًا ينفى عنه فكرة كونه حزبًا شعبيًا يجب أن يوفر الغطاء فى المشاركة لكل فئات الشعب، فالأحرى بمثل هذا العمل النقابات وليس الحياة السياسة، فضلاً عن أن المثقفين ينتمون إلى تيارات سياسة شتى، ولاعتقادات وأيديولوجيات مختلفة لا يمكنها أن تجتمع فى سلة واحدة".
واستكمل "قرنى" لقد تم حصر مفهوم الثقافة فى نطاق ضيق جدًا، حيث تم تقليص مفهوم الثقافة على مثقفين نوعيين من نقاد الأدب وكتبته، وهو فهم شديد القصور؛ لأن المثقفين جزء من نخبة كبيرة جدًا تشمل أساتذة الجامعات والمهنيين بالمحامين والأطباء والمهندسين، وهذه الأطياف ذات انتماءات سياسية مختلفة فبينهم الليبرالى والعلمانى واليسارى واليمنى وبالتالى فلن يصلح أبدًا أن يجتمعوا تحت سقف سياسى واحد هو حزب المثقفين.
وتابع "قرنى" ومن المنطقى أن يذهب كل من هؤلاء إلى الحزب الذى يلبى حاجته الإنسانية والفكرية والاعتقادية ولم يحدث فى تاريخ الديمقراطيات العالمية أن نشأ حزب تحت هذا المسمى الفئوى والأرجح أن يذهب المثقفون المنادون بالإصلاح الثقافى، تحديدًا إلى عمل نقابات وتنظيمات مستقلة للرقابة على الفساد المستشرى فى وزارتهم وأن يشكلوا جماعات ضغط لفضح الممارسات الخارجة على القانون.
من جانبه فضل الروائى والباحث د.عمار على حسن أن يكون "المثقف مستقلاً عن الحياة الحزبية بشكل عام حتى لا يحال كل ما ينتجه من أفكار وفنون إبداعية إلى الموقف الحزبى، وحتى لا يكون الالتزام الحزبى قيدًا على حريته".
وأضاف "حسن" وأؤمن فى الوقت نفسه بأن دور المثقف لا يجب أن يكون فى المكاتب المغلقة وأن يقتصر الرافد الذى ينهل منه المعرفة على الكتب، وإنما من الضرورى أن ينزل إلى الشارع ويخالط الناس ويمشى فى الأسواق؛ ليقف على حال المجتمع ويتفاعل معه وأن يكون خطابه وفنه لخدمة شعبه ودفاعًا عن الحق والحقيقة بمعنى أن يكون مثقفًا ملتزمًا حيال قضايا مجتمعه واحتياجات أهله وكل ما تفرضه الوطنية على المواطن الطبيعى من التزامات.
وختم حسن حديثه قائلاً "وأتمنى من المثقفين أن يشاركوا من يسعون إلى تكوين أحزاب فى مراجعة البرامج وطرح الأفكار والنقاش العام حولها وهذا ضرورى".