إن غياب المعلومة الصحيحة، هى إحدى أهم المُعضلات التى تؤدى إلى أغلب المشاكل. وفى مصر، حينما ننظر حولنا، نجد الكثير من المُشكلات التى نُعانيها، تتمحور حول تشوش أو غياب المعلومات، مما يقوى من الإشاعات، ويُخمن الأغلبية ما حدث أو يحدث أو سوف يحدث، وفقا لمعايير غير علمية، مما يزيد المجتمع تخبُطاً! أن "المعلومات" هى لُب أى عملية للتنمية وإتاحتها كما حدثت، دون زيادة أو نقصان، مهم، حتى لا تحدث الفوضى المعلوماتية، وتُتخذ أى قرارات خاطئة، على أى مستوى، سواء الشعبى أو القيادى، بناءً على ذلك!
لقد توصلت الكثير من الدول إلى سن قوانين إتاحة المعلومات فى الأمور التى لا تضر بأمنها القومى، بعد سنوات من الكفاح. وقد أدت تلك القوانين، إلى إفراز تحليل صحيح للأحداث المحلية أو الإقليمية المحيطة بها، شكلت وعى لدى الشعوب، مما أدى إلى رؤيتهم لحقيقة ما يحدث فى بلادهم، وهذا بدوره، أدى إلى نمو وتطوير رائع لمصادر بث المعلومات، مثل الصُحف ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة إلى جانب الإنترنت، مما أدى إلى عدم احتكار للمعلومات من قبل الخاصة.
ويُمكن مثل هذا القانون، الأفراد من الحصول على المعلومات الخاصة بمختلف الوزارات والأجهزة الحكومية، بطريقة ميسرة، بحيث تكون هناك مُصارحة حول الأرقام المتجددة فى الدولة، بما فى ذلك الميزانيات السنوية وميزانيات مختلف الوزارات والأجهزة الحكومية بشكل دورى والنمو فيها، مما يمكن المواطنين من متابعة الأداء الحكومى بالأرقام، إضافة إلى المعلومات عن السياسات الخدمية وما إلى ذلك من أمور يُمكن أن يُكشف عنها أولاً بأول!! كما تتيح مثل تلك القوانين، المعلومات التى من شأنها أن تقضى على هزات السلام المُجتمعى، فى حال غيابها، مثل المعلومات الخاصة بالأزمات المحلية التى قد تنشأ بين الأعراق المختلفة ومعتنقى مختلف الديانات وما إلى ذلك من أمور، يكون من شأن كشفها، إيقاف الأزمات فى البلاد!!
ومن ضمن المعلومات التى يتم نشرها فى هذا الإطار، معلومات توعوية حول "الآخر" فى البلاد. ففى الكثير من البلاد الغربية، وفى أعقاب أحداث سبتمبر الدامية عام 2001، نُشرت الكثير من المعلومات حول سماحة الإسلام، حتى لا يعتدى مواطنى البلاد هناك على المسلمين!! وهنا فى مصر أصبحنا فى حاجة إلى توعية أكبر بالمسيحيين والبهائيين، لأن هناك من لا يرى وجودهم من الأصل، إلا بشكل عدائى، لجهله بهم!!
إن فك شفرة الكثير من الأزمات فى مصر، تعتمد على نشر المعلومات التى لا تتعرض للأمور ذات الصلة بالأمن القومى. ولكن ربما يكون السؤال هنا: هل من حقنا أن نعرف كل شىء؟ هل المعرفة على إطلاقها شىء جيد؟ أعتقد أن المعرفة، هى بالتأكيد أمر مطلوب، ولكن يجب أن تتدرج، حيث أن المعرفة حينما تُمنح للجاهل (على إطلاقه، فالطبيب جاهل بشئون الهندسة أو المهندس جاهل بشئون الطب)، بعُمق حول أمر ما، قد لا يحكم بشكل تحليلى صحيح، مما ينتج عنه استنتاجات خاطئة!!
ولذا، يجب وأن تتدرج المعلومات وقوانينها، على قدر ثقافة المجتمع، فى مختلف الأمور، بحيث لا تخلق المعلومة الفتنة!! ولقد خلقت "كثرة" المعلومات الكثير من الفتن فى أثناء الأزمة التى نُعانيها فى مصر اليوم، منذ 25 يناير الماضى. كما لا يمُكن أن نُنكر أن نُقصان المعلومات أيضاً، خلقت الكثير من الفتن!! وبالتالى، يجب حين التعاطى مع نوعية المعلومات التى يجب توفرها، قبل سن القانون، أن ننظر فيما هو ضرورى وفيما يكون غيابه أفضل. إلا أنه وفى النهاية، يجب وأن تتوفر أغلب المعلومات التى تهم الناس على المستوى الشعبي، بشتى فئاتهم، كمواطنين.
إنى لأطالب بالبدء فى مناقشة سن قانون لإتاحة المعلومات، لأننا فى مصر، أصبحنا فى حاجة ماسة إليه، لأن أغلب مُشكلاتنا، تنبع من نقصان المعلومات، ومن انتشار الإشاعات، ومن القيل والقال، ومن اختلاف تفاصيل المعلومة الواحدة، من مكان إلى آخر، فى أمور تبدو ذات أهمية قصوى!! إننا فى حاجة إلى البدء فى التوعية بكيفية التعامل مع المعلومات، وهو ما يستلزم الاهتمام بالتوعية بمختلف الأمور، لأن الكثير من الناس، يحللون المعلومات بشكل تآمري، مما يوصلهم إلى استنتاجات خاطئة، وبالتالي، فان إتاحة المعلومات تحتاج أيضاً إلى المصداقية وإعادة الثقة بين المواطنين والمسئولين!! أى أن قانون إتاحة المعلومات، وكما يساعد على الديمقراطية، هو فى حد ذاته، جزء من العملية الديمقراطية، كما هو جزء من العملية الإعلامية والتعليمية والثقافية. وكأن المعلومات، هى جزء غاية فى الأهمية، إن لم تكن الأهم، فى العملية الديمقراطية!
أرى أن نبدأ فى مناقشة تواجد مثل هذا القانون من الآن، لأننا يجب وأن نمتلك قانون أولى فى إتاحة المعلومات، لإبطال مفعول الكثير من الأزمات المُفتعلة، وليكون خطوة نحو بناء الديمقراطية التى نريد، ومن أجل الشفافية على كافة مستويات الدولة المدنية التى عمادها المواطنة، لغد أفضل!
ومصر أولاً
• أستاذ علوم سياسية
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة