لا شك أن الفنانين جزء مهم من المجتمع، ولهم فى العالم كله مكانة خاصة ومعاملة مميزة، فلسنا فقط الذين نسلط عليهم الأضواء ونراقب حركاتهم وسكناتهم ونحشرهم فيما يعلمون وما لا يعلمون ونجعلهم يتحدثون فى السياسة والدين والاجتماع والاقتصاد والرياضة، وكأنه ليس فى البلد غيرهم، وكأن الفنان هو رئيس مجلس إدارة الدنيا الذى لابد وأن يفهم فى كل شىء ويحيط بجميع الأمور علماً.. وللأسف فقد استوردنا فكرة النجم والنجمة الذين تطاردهم الصحافة وعدسات القنوات التليفزيونية من الولايات المتحدة الأمريكية، التى تعيش الصحف الصفراء ومحطات التليفزيون الشعبية فيها على أخبار وفضائح نجوم ونجمات "هوليوود"، ومن أمريكا انتقلت هذه التقاليد السخيفة إلى أوروبا وإلى كثير من بلدان الشرق ومن أولها مصر، باعتبارنا من أقدم الدول التى عرفت السينما وبدأت صناعة النجوم.. ورغم أن هذه النزعة الأمريكية "لتلميع" الفنانين ووضعهم دائماً فى مقدمة الصورة لها بعض جوانبها الإيجابية، خصوصاً لو كان الفنان مثقفاً ويحمل قدراً معقولاً من الوعى السياسى والالتزام الفكرى، مثل المخرج الأمريكى روجر مور الذى دأب على مهاجمة الرئيس السابق جورج بوش الابن وفضح سياساته الغبية وموقفه المعادى من العرب والمسلمين، كما فعل فى فيلمه المهم عن أحداث الحادى عشر من سبتمبر، وكذلك محاولة بعض المنظمات الدولية الاستفادة من نجومية الفنانين فى جمع التبرعات وتسليط الضوء على المحرومين والمهمشين من خلال اختيار عدد منهم كسفراء للنوايا الحسنة، إلا أن سلبيات استئثار نجوم ونجمات الفن بالمشهد الإعلامى وتصدرهم لكل الصور أكثر بكثير من الجوانب الإيجابية لهذا الاحتكار الاستعراضى، خاصة إذا أصبح جزءاً من التكوين النفسى والوجدانى لأهل الفن أنفسهم، وأدى إلى إدمانهم للظهور فى برامج التلفيزيون وعلى صفحات الصحف ليقولوا أى شىء ويفتوا فى كل شىء، كما حدث أثناء وبعد أحداث ثورة 25 يناير، حين استغل أبواق النظام السابق فى الإعلام الحكومى والخاص الفنانين لترويج بعض الأكاذيب عن الثورة والثوار، فاندفعوا يرددونها بغير علم، وهم يظنون أنهم يؤدون خدمة لرئيس المخلوع ورجاله تقربهم منه وتزيد من أسهمهم عنده، خاصة أنهم كانوا لا يشكون لحظة واحدة فى أن هذا النظام الهش كان من الممكن أن يسقط أو يجرى له ما جرى، وقد زاد معظم هؤلاء "الطين بلة" حين تحولوا بسرعة بعد تأكدهم من نجاح الثورة، ومنهم من اعتذر عما قاله قبلها ومنهم من تجاوز الموقف وزايد مع المزايدين ففقد احترام الناس له وفقد مصداقيته فى الشارع، وهذا هو الثمن الذى يدفعه بالتأكيد كل من يتصدى للحديث فيما لا يعلم.
فمعظم أهل الفن فى بلدنا تنقصهم الثقافة والوعى السياسى وهم لا يشبهون على الإطلاق نجوم أمريكا الذين وصل واحد منهم إلى منصب رئيس الجمهورية "رونالد ريجان" ووصل آخرون إلى تولى حكم بعض الولايات الكبرى مثل نجم أفلام "الأكشن" أرنولد شوارزنيجر، وهم حتى لا يقارنون بمستوى ثقافة وفهم فنانون وفنانات أخريات من الأشقاء العرب مثل المثقفة هند صبرى ومواطنتها الحاصلة على درجة الماجستير فى العلوم السياسية من السوربون "درة".. ومعظم فنانينا هم من خريجى معاهد أكاديمية الفنون التى لا تدرس شيئا يذكر سوى المناهج الفنية، أو ممن لم يكملوا دراستهم فى بعض الكليات، أو خريجى كليات ومعاهد خاصة حصلوا على شهاداتهم فيها بالفلوس دون أن يتعلموا شيئاً حقيقياً، ومعظمهم بينهم وبين الكتاب عداوة، وقلة قليلة منهم فقط تهتم بالقراءة والاطلاع.
والأدهى من ذلك أن بعض الفنانين يتصورون أنهم يمكن أن يحصلوا على لقب مثقف أو مثقفة من خلال بعض الأدوار التى يؤدونها على الشاشة، مثل الفنانة القديرة سميرة أحمد التى ظنت أنها يمكن أن تكرر فى الواقع الخطب العصماء والمواعظ الأخلاقية فارغة المضمون التى يكتبها لها بعض كتاب السيناريو، وهو ما دفعها لأن ترشح نفسها لعضوية مجلس الشعب وتتصدى للحديث فى أمور سياسية وضح تماما أنها ليست ملمة بها.
والأفضل لأهل الفن أن يلتزموا بالكلام فيما يفهمون فيه، ولا ينجرون لإلحاح كثير من الصحفيين وصناع برامج التليفزيون لدفعهم للتصدى لما لا يعنيهم، فيسمعون ما لا يرضيهم ويصنفهم البعض فى قوائم الجهل أو العار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة