◄◄ عرف عشق عبدالناصر للكاميرا.. وإدراك السادات لقيمة الصورة الصحفية.. ومبارك جعل من المصور آلة تحركها التعليمات
فى حجرة صغيرة بمبنى جريدة الأخبار مساحتها تقريبا متر فى مترين، تملأ جدرانها الصور التى التقطتها عدسته، يجلس مبتسما، فاتحا باب مكتبه ليرى الجميع ويسمح لهم برؤيته، فيسأل ذلك المصور، بصوته المتناغم لأبعد مدى مع ابتسامته: ماذا فعلت اليوم؟ ويفتح حوارا مع ذلك الصحفى، ويداعب عامل البوفيه، فيسأله: «عندك إيه يتشرب؟»، فيقول: «قهوة وشاى وحلبة ونسكافيه»، فيرد بسؤال: «ماعندكش ليمون؟»، فيقول العامل:«لا»، فيرد: «طب هاتلى ليمون».
إذا جلست أمام المصور الصحفى فاروق إبراهيم فعليك الانتباه جيدا لكل شىء، فهو يستطيع تحديد حالتك المزاجية والنفسية بمجرد النظر إلى طريقة جلوسك وحديثك، كما يمكنه معرفة شخصيتك جيدا من خلال استخدامك لحواسك فى الحديث، وطريقة سردك. هكذا تعلم من عمله مع الملوك والرؤساء والمشاهير، أصبح خبيرا نفسيا فى النظرات، وحركات الجسد، وتعبيرات الوجه التى سيعرف من خلالها ما يدور فى ذهنك، فيبادر هو بالإجابة عنه أو توضيحه.
لعبت الصدفة أدورا عديدة فى حياة فاروق إبراهيم، فحولتها بالكامل، ورسمت لها طريقا غير الذى كان يتوقعه أو يتمناه، فالبداية كانت وهو فى العاشرة من عمره، حيث ذهب لخاله فى مقر عمله، بعد إنهاء مدرسته التى كان دائم الهرب منها، فى مقر جريدة «المصرى» التى كان خاله عاملا على إحدى مطابعها، وهناك طلب منه الخواجة زخارى، رئيس قسم التصوير بالجريدة، الذهاب لشراء علبة سجائر، وعندما عاد دخل لزخارى مكتبه فرأى صورا كثيرة لفنانى مصر ومشاهيرها، فانبهر بها، واتفق مع زخارى على العمل معه ساعيا فى مكتبه الخاص، وكان يستغل وقت الراحة فى اللعب بالكاميرات وتقليد المصورين، ولم يدر بذهنه وقتها أنها فرصته للتدريب، وفى أحد أيام عام 1952 وأثناء غياب كل العاملين فى قسم التصوير عن المكتب، قام الطلاب فى إحدى المظاهرات بقلب الترام الذى كان يمر من أمام جريدة «المصرى»، ليتلقط فاروق وقتها الصورة الوحيدة للترام وهو مقلوب، فيحقق سبقا صحفيا بهذه الصورة على كل الجرائد، ويتحول من مجرد ساع إلى مصور تحت التمرين، لينطلق بعدها بين الجرائد، ويصبح أشهر مصور فى مصر.
استطاع فاروق إبراهيم التمييز بين الشخصيات من خلال الصور، فهو الخبير الذى عمل مع أصعب الشخصيات، فكان مصورا خاصا لعدد من النجوم، أبرزهم كوكب الشرق والعندليب، كما كان مصورا لرؤساء مصر، يقول إبراهيم إن لكل رئيس مصرى رؤية وطريقه مختلفة فى التعامل مع الصور، فمثلا عبدالناصر لغى الحواجز بين الصحافة والقصر الرئاسى لأنه كان عاشقا للكاميرا، لدرجة أنه كان يلتقط الصور، ويسجل أفلام الفيديو بنفسه، ويتلقى دروسا فى التصوير من مصوره الخاص حافظ دياب، لأنه كان يعلم قيمة الصورة جيدا ويحب المصورين بشكل شخصى، وكانت له هيبة وإطلالة رائعة أمام الكاميرات، لأن مسؤوله الإعلامى «هيكل» كان صحفيا.
أما السادات فكان رئيسا مدركا لقيمة الصورة الصحفية لأنه فى الأصل صحفى، ولأن مستشاريه صحفيون، وكانوا دائمى التوجيه له، وكان يحب التظاهر فى الصور، وأن تعبر صورته عن مدى أناقته وعظمته، ويظهر ذلك فى طريقة جلوسه ووضع يده، ومسكه للـ«بايب»، وكان السادات يصطحبه معه فى كل الزيارات، وكان يسمح له بالتقاط ما يريد من صور دون أدنى رقابة، لأنه بطبعه يجيد البقاء فى وضع التصوير طوال الوقت.
بينما حولت شخصية مبارك العسكرية التى لا تهتم بالصور المصور الصحفى لمجرد آلة، تحركها وتعطيها التعليمات «ستدخل من هذا الباب وستقف لمدة دقيقه تلتقط فيها الصور من هذه الزاوية، وتخرج من هذا الباب»، وعندما يخرج يسلم لهم كارت الكاميرا، ولا تكون له علاقة بما سيحدث فى الصور بعد هذا، فهناك متخصصون من الرئاسة «يلعبون» فى الصور عن طريق برنامج «الفوتو شوب» فيغيرون فى ملامح الوجه وفى طريقه الجلوس، ومن هنا أصبح لا يوجد إبداع حقيقى فى تلك الصور.. رحم الله المبدع الكبير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة