القلق على الثورة شعور يستنفر كل من هب ثائرا بجسده، أو بلسانه أو حتى بقلبه، يلف الجميع شعور أن الالتفاف هو ما يحدث متسلحا بعامل الزمن الذى يحمل معه الإجهاد والنسيان والفرصة الكافية لكى تطل رؤوس الفساد السياسى كبارا أو صغارا من الجحور ثانية.
لقد ترك لهم الوقت كى يفيقوا من صدمة الثورة، و يخططوا لاستيعابها، لقد أرادوا لنا أن نتعامل مع الأمر على أنه فساد مالى، وأن ننسى الأكبر وهو الفساد السياسى، أرادوا لنا أن نتخيل أن الثورة هى لمجرد استرجاع مليارات من لصوص فرادى، وليس استرجاع بلد من اغتصاب عصابة.
أرادوا لنا أن ننتظر تحقيقات النيابة، وأحكام القضاء، وأن ننسى الجريمة العظمى الثابتة، التى يشهد عليها الشعب كله، وهى تزوير إرادة الأمة، والإفساد السياسى على مدى ثلاثين عاما مضت.
يملأ الغضب قلب كل من ثار على خطف واغتصاب للوطن، وجميعنا يرى رؤوس الإفساد بمنأى عن المؤاخذة، وقلعته المسماة بالحزب اللاوطنى بمنأى عن التجميد والمصادرة، كيف لا نرى تقييدا جبريا لكل من كان رأسا فى شبكة تزوير إرادة الأمة أيا كان موقعة فى مكتب سياسى أو هيئة عليا أو أمين لمحافظة أو لأمانة تخصصية؟ هؤلاء شجعوا الفساد بتعاونهم معه، وسكوتهم على مهازله، فلم يقولوا كلمة حق، هؤلاء التزموا بمصالحهم الخاصة، ولم يلتزموا مصالح الوطن، هؤلاء جميعا يستحقون العزل، فلا نراهم فى حوار، و لا يطلون علينا اليوم، وهم من باعونا من أجل أنفسهم بالأمس.
السؤال الذى لا نعرف له إجابة هو: كم من الوقت يلزم بعد ما مر ما يقرب من شهرين من الثورة لإغلاق مقرات الحزب الفاسد واسترجاعها ليد الدولة؟ هذا لأنها مال الشعب، وكم يلزم لتجميد حساباته؟ ما الغرض تحديدا؟ أهو عودة الحزب الفاسد؟
وكأنه لا ثورة قامت، ولا أرواح أزهقت.
تتجه النية لعقد الانتخابات التشريعية فى سبتمبر وبح صوت كل القوى السياسية، فيما عدا المندرجة فى التيار الدينى والحزب اللاوطنى برفض هذا الاتجاة، لعدم إتاحة أى فرصة للاستعداد لها، سواء من الأحزاب القائمة أو تلك التى تريد أن تؤسس نفسها وتنشط.
الإصرار واضح، والجميع يعرف أن البيئة الانتخابية مازالت كلها معادية للثورة، المحافظون، ورؤساء مجالس المدن، والعمد، وجيش قوامة فوق الخمسين ألف من أعضاء المجالس المحلية، كل هؤلاء من أعضاء الحزب الوطنى الذين باركتهم مباحث أمن الدولة، لأنهم صنفوا على أنهم الموالين المخلصين.
كيف تكون البيئة الانتخابية فى أحضان كل هؤلاء، والشعب يرى بعينه أنهم مازالوا ولاة الأمر، فى كل أطراف مصر؟ ماذا نسمى هذا الإصرار على هذه العجلة فى إجراء تلك الانتخابات؟
الأدهى والأمر أن الإصرار يطال نظام إجراء الانتخابات، فنرى النظام الفردى بكل كوارثه فى عالم البلطجة، وتوظيف المال فى شراء الذمم والأصوات هو المرشح بقوة.
نرى إصرارا على عقد الانتخابات فى يوم واحد، فى ظل نظام البلطجة الفردى، الذى خبرناه، ثم يقال لنا إشراف قضائى كامل، والجميع يعلم أن القضاء يعجز بذلك عن توفير قاضى لكل صندوق، ماذا يراد لنا؟ أهذا كله من أجل برلمان يضيع تقريبا مكاسب الثورة، ويتولى اختيار من يضع الدستور الجديد ليكون أبعد ما يمكن عن طموح الثورة.
لا يتخيل أحد أن الثورة ستقوم كل يوم، أو أن الدستور سيوضع كل يوم، هذا تاريخ يصنع، ولا يمكن قبول التلاعب به، هذا واجب كل من كانت نفسه أبية فثار على الظلم والفساد وإهدار الكرامة، هذا وقت التلاحم من أجل حماية الثورة من الالتفاف عليها، وأكلها فى ظل زمن يمر، وغفلة تغشى، هلموا جميعا لجمعة التطهير.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة