فى تصريح له عقب ارتكابه لجريمته الشنعاء، قال المتطرف"تيرى جونز"، أنه حان الوقت لحساب الإسلام، نافيا مسئوليته عن الاحتجاجات الغاضبة التى شهدتها أفغانستان، بل وذهب إلى أبعد من ذلك مطالبا الأمم المتحدة باتخاذ ماتراه من إجراءات حيال البلدان المسلمة.ويعد هذا التصريح امتدادا لما شهده الغرب، خلال السنوات الماضية، من تمييز سافر ضد الأقليات المسلمة، منذ أن أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية حربها ضد الارهاب بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر، وتبعتها فى ذلك معظم الدول الأوروبية، والتى اتخذت العديد من الإجراءات التمييزية ضد المسلمين.
فى الواقع أن الحملة الغربية التى قادتها الولايات المتحدة ضد الاسلام، قد بدأت منذ نهاية الحرب الباردة، عندما خرج علينا صموئيل هنتنجتون بنظريته المعروفة باسم"صراع الحضارات"، والتى نشرتها مجلة""Foreign Affairsالأمريكية، عام1993.
وتقوم تلك النظرية على أن الصراع العالمى الذى شهده العالم،إبان الحرب الباردة، بين الشيوعية فى الشرق والرأسمالية فى الغرب،سوف يتحول إلى صراع بين الحضارة الغربية فى الشمال والحضارة الإسلامية فى الجنوب.ثم تأجج هذا الصراع المزعوم بعد أحدث سبتمبر2001،عندما شن الاعلام الأمريكى حملته، التى ربطت الإسلام بالإرهاب،أدت إلى احتقان داخل المجتمعات الغربية بين المسلمين وباقى عناصر المجتمع، بل وأثرت سلبا، من ناحية أخرى، على العلاقات الأمريكية بحلفائها من الدول العربية والإسلامية.
ولعل عدم الاستقرار المجتمعى داخل الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية، وضرورة استعادة علاقة الولايات المتحدة بحلفائها من ناحية أخرى، كانا من أهم العوامل التى دفعت أوباما إلى رفع لواء المصالحة مع مسلمى العالم، ومن بينهم مسلمو الولايات المتحدة أنفسهم.فكان خطاب أوباما الشهير،والذى ألقاه من القاهرة،إلى العالم الاسلامى– فى يونيو2009– يحمل فى طياته رسائل عديدة، ليس فقط من أجل تحسين صورة الولايات المتحدة أمام المسلمين، إنما أيضا لإظهار الصورة السمحة للإسلام الحقيقى أمام الأمريكيين، وهو مادفعه، من وجهة نظرى، للاستشهاد كثيرا بآيات من القرآن الكريم فى هذا الخطاب.
إلا أنه بالرغم من مبادرة أوباما، والتى يمكننا أن نقول إنها قد نجحت فى إحداث قدر من التغيير فى السياسة الإعلامية الأمريكية، إلا أنها لم تنجح فى تحقيق القدر الكافى من التغيير فى العقلية الأمريكية، والتى مازالت تعانى من بعض التطرف، والذى يظهر بين الحين والآخر من خلال بعض الدعوات التى يتبناها بعض المتطرفين من أمثال"جونز"،رغم أن هناك تحسنا ملحوظا قد شهده المجتمع الأمريكى، إذا ما قارناه بأوروبا.
لو نظرنا إلى الأسباب التى تؤدى إلى مثل هذه الأحداث نجدها عديدة ومتشعبة، فمنها مايرجع إلى سوء الأوضاع الاقتصادية التى يعانيها المجتمع الأمريكى منذ اندلاع الأزمة المالية فى أواخر2007، ومنها كذلك أن مسألة التغيير لا يمكن أن تتحقق بين ليلة وضحاها، لكنها عملية تدريجية، خاصة إذا كان تغييرا لفكر تم بناؤه فى عقود طويلة.
إلا أن ادواجية المعايير التى اعتادت عليها الولايات المتحدة، فى التعامل مع هذه الأحداث، تعد سببا رئيسيا فى تكرارها وتفاقمها.ويظهر ذلك جليا فى المواقف الحادة التى قد تتخذها الإدارة الأمريكية، حيال مختلف المواقف الطائفية التى قد تشهدها أى بقعة فى العالم، فى حين أنها تغض البصرعما تشهده الولايات المتحدة نفسها من دعوات وأحداث متطرفة، قد تزعزع استقرار المجتمع الأمريكى وأمنه، وهو ما يعكس الحاجة إلى وجود رادع قانونى قوى تجاه من يمكننا تسميتهم بـ"دعاة التطرف".
فى الواقع أنه حان الوقت لحساب دعاة التطرف الذين لايختلفون كثيرا عن القائمين على التنظيمات الإرهابية المتشددة القاطنة بأفغانستان والعراق، وبالتالى فإن هناك مسئولية خطيرة تقع على عاتق مختلف القوى والمنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، تتمثل فى التصدى بحزم لدعاة التطرف،على اعتبار أن دعواتهم قد تهدد بالفعل السلم والأمن الدوليين.
