لم يكن أحد يحلم بمعشار التغيير الذى حدث فى مصر، حتى لو أنفقنا ما فى الأرض جميعا ومثله معه، لذا يشعر الجميع أنه فى حلم لا يريد الاستيقاظ منه، ولكن التيارات والتجمعات والآراء الموجودة بعد الثورة تشعرك بحالة اضطراب ممن يصعبون السهل، ويبطئون السير، ويعرقلون الحركة، يطلبون كل شىء ويريدونه الآن وليس غدا، من ليس معهم فهو عليهم.
ونسوا أنهم كانوا بالأمس قانعين بما هم عليه، مستسلمين لواقع مرير، سرقات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها، نفاق فى الإعلام صحفه ومجلاته وتليفزيونه وحفلاته، فى الأغانى مبارك، فى التاريخ مبارك، فى الأحلام عبور للمستقبل فى الأوهام فكر جديد، وكله من أجلك أنت، وسلمتنا الأيام لليالى، وأكلت السنوات شبابنا، واغتالتنا الغربة على تراب مصرنا، وهوت الريح بأحلامنا فى مكان سحيق، أصبحنا يحبطنا الماضى، ويقتلنا الحاضر فلا نرى المستقبل، لا ندرى أنبكى على حاضرنا أم نخشى على مستقبل أولادنا؟ سألنا هواء نستنشقه فامتصوا دماءنا، حلمنا بأقلام ودفاتر لأبنائنا فأخذوهم لدور السينما وملاعب الكرة، ألا يجدر بنا الآن مع هذه الصحوة أن نستفق؟ من يعرقل من؟ ومن يقاوم من؟ من يتحدى هذا التغيير؟ لماذا نفقد الثقة فى كل شىء؟ ونفقد الثقة فى مفكرينا ومثقفينا وعلمائنا الذين شهد لهم القاصى والدانى بالعدالة والنزاهة والمصداقية والخبرة.
الذين نهبوا خيراتنا وسرقوا ثرواتنا وقتلوا أحلامنا صفقنا وهتفنا لهم، بل سألنهم ألا يتركونا نتخبط على غير هدى، وقلنا لهم (علشان كده إحنا اخترناك)، كنا نشاهدهم جهارا نهارا يسرقون حديدنا فى (عز) الظهر، ويسربون الغاز(سالما) لعدونا، وأعيننا مفتوحة تحدق بهم، وأفواهنا مغلقة لأجل غير مسمى، وألسنتنا خارج الخدمة مؤقتا.
الآن لما أشرقت الأرض بنور الحق والحرية والنور، نشاكس.. نصارع.. نعارض.. نصرخ.. نرفض.. نقاوم، لماذا هذا المنطق المعوج؟.. يا لهذا الشعب!.. نهتف لسارقنا وندعو له بالعمر المديد والصحة الحديد، ونتغزل فيمن ظلمنا ونقول له هل من مزيد؟.. أما من جاءنا يسعى وهو علينا يخشى، من فتح لنا باب الحرية، ومن عمل جاهدا مخلصا لرفعة مصر، وشرف المصريين والنهوض بالأمة اخترعنا له أشكالا من الظنون والشبهات، ما أنزل الله بها من سلطان، وافتراضات وافتراءات لم يأت بها أحد من العالمين، إن خطى خطوة أو سن شرعا هب الجميع فى وجهه ما هذا؟ ماذا تقصد بهذا التشريع؟ أنت سيئ النية؟ لعلك مدفوع من جهات أخرى، أو تعمل لحساب أجندات خاصة، ثم لا نسمع إلا رفضا، رغم أننا لما كان الزمان زمان الرفض لم يرفض أحد، بل لم يعلق أحد، ولمّا حانت ساعة العمل إذا الكل يرفضون ويحلون ويحرمون ويعترضون.. ولا يعملون.
اقبلوا على المستقبل وساندوا الإصلاح خطوة خطوة، لا تطلبوا كل شىء، فتخسروا كل شىء، عيشوا زمن الإصلاح ومارسوه، فإنما بعد الإصلاح إصلاح، وليس بعد الفساد إلا فساد أعظم وأشد بأسا.
وأيقنوا بسنن الله فى التغيير، فما فسد فى ستين عاما لا يصلحه عمل أيام ولا شهور، فالزمن جزء من العلاج، لن يعيد الدستور النبض لقلب مصر، ولكن يعود النبض لقلب مصر بسواعد شباب مصر، لن تحفظ القوانين وحدها الحقوق لأصحابها، لأن القوانين تحتاج لضمائر حية وأيد نظيفة تطبقها فتحفظ الحقوق لأصحابها، لن يتطور التعليم فى مصر بتشييد الجامعات والمدارس، ولا بجودة المناهج فقط، ولكن يتطور برغبة شعب فى التعلم، وحرص دؤوب على النجاح والتميز، كحرصنا على الماء والهواء.
ما أسهل سن القوانين والدساتير، وما أصعب تطبيقها بميزان العدل على الراعى والرعية، ما أسهل طباعة الكتب والمراجع وما أصعب قراءتها واستيعابها، ما أسهل وجود إشارات مرور فى كل ميدان وشارع، وما أصعب احترامها والالتزام بها.
نخشى على مصرنا الحبيبة أن يصبح بها عشرات الأحزاب ولكن بلا حرية وبلا رؤية سليمة، نخشى على مصرنا الحبيبة أن يصبح بها أرقى وأكبر جامعات بالشرق الأوسط لكن بلا متعلمين ولا معلمين، نخشى أن نجدد ونحسن بناء البيت ونهمل ساكنيه.. فنجد فى نهاية المطاف بيتا جديدا، وأثاثا جديدا، وإضاءة جديدة.. وساكنا قدماء.
إن لم ينهض كل مصرى ومصرية ويتغيير، فسيظل الساكن القديم فى البيت الجديد، يكتب على جدرانه يمزق ستائره بإهماله.. أعقاب سجائره على السجاد، أبوابه مكسورة، نوافذه مهترئة، فما يلبث أن يعود البيت قديما.. وعندها نهتف من جديد.. الشعب يريد تجديد البيت.
عصام عباس يكتب: الساكن القديم فى البيت الجديد
الأربعاء، 06 أبريل 2011 04:48 م
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة