فى طفولتى كنتُ أكره أفلام هوليود
أكره أفلام العنف ومطاردات البوليس للخارجين على القانون
أكره أفلام العصابات
وأفلام المعارك التاريخية
والمعارك الأقل تاريخية منها
كما أكره حروب الفضاء وحروب الأرض..
أكره المجرمين
والقتلة المأجورين
الكاوبويز
ومطاريد الصحراء،
أفلام الجرائم التى حدثت
والجرائم التى لم تحدث
تماما كما أكره الكلاب والقطط..
الآن من على كرسى يشبهنى
يشبه أصابعى التى ماتت وهى تقصِّف أحرف اللاب توب
يشبه عينى وهما تبحثان عن خبر الموت
يشبه أذنى اللتين تنصتان إلى أزيز الرصاص
وصراخ المارة
الآن أجلس وأفكر
لأول مرة فى حياتى أكتشف جمال الكلاب الضالة
لا تقتل برصاصة
لا تجرح بخنجر
فقط.. تعض بوخز مؤلم
تنبح بصوت مزعج
لكنها لا تقتل
والقطط الرائعة قد تخدش سطح الجلد فينبئ عن دم
لا يتكشف..
كنت أحب الأفلام التى تبكيني
فأذهب لأشاهد فيلم بيانو عشرات المرات لأبكى
أشاهد فيلم آلام المسيح لأبكى
الآن..
من خلف هذا الحائط
الجدار الخفيف الذى أقرأ فيه الموت
القتل والرجم
السحل والصلب
الحرق والدم
الآن
أنا لست أنا
لن تبكينى بطلة فيلم بعد اليوم
ولن أدمع لمشهد طفل برىء الوجه يتسول فى الشارع
لن أبكى وأنا أشاهد "بيانو"
بل لن أشاهده مرة أخرى
لن أضحك
لن أبتسم
فقط
على هذا الكرسى
أتشبث تماما لئلا أغرق
سأنصت تماما إلى ما يريد الشعب
وما يريد القاتل
إلى ما حلم به المقتول
وما منحه له السفاح
سأنظر بعينين مفتوحتين إلى شهادات الدم المدموغة بالعائلة
لن أبكى
بل سأصرخ من أعلى الشرفة
ومن أسفلها
سأدق الشوارع بقدم ملتهبة وأنا أصرخ الشعب يريد
سأحمل فى شنطتى بدلا من أحمر الشفاه والخدود خنجرا صغيرا
وأبدل العطر بمبيد الحشرات الذى يعمى
سأحمل هويتى
وأنزلق على ركبتى
...
الآن
ابنة اليوم
لم أخلق قبل اليوم
وما عرف اسمى صوتى من قبلى
....
الآن
لن أبكى
بل سأنظر فى عين الكلب وأعضه
وأنظر إلى القطة وهى تتأهب وأخمشها..
خلقتُ منذ أيام
عمرى يزيد عن شهر بقليل
صرتُ أكثر قوة
وصار بوسعى أن أبدل نعومة صوتى بالصراخ
ووجهى فى المرآة بعلم بلادى
سأشاهد أفلام المطاردات البوليسية
وسأكون على يقين وأنا أتتبع النهاية
أن الشرطى..
ظالم..
والهارب
مظلوم..
سأشاهد أفلام الجرائم المروعة
لأتعلم منها كيف أمحو عن ذاكرتى فى كل صبيحة دم الأمس
.. تماما مثلما أمسح بمنديل عرقى عن جبهتى
ولأننى تمنيت أن أخلق شاعرة
سأبكى
لأن ليس بوسعى أن أرى السماء
إلا بعد أن أزيح أكوام القتلى
ولن يكون فى وسعى أن أكتب عن البحر
قبل أن أسترد لونه الأزرق من بقع الدم
سأبكى وأنا ألمح تكسّر قبلتى وهى تجتاح قوس قزح
سأبكى وأنا أبدد خيالى
وأهبط فى ابتكار فريد إلى الأرض
لأقف كطفلة صغيرة وعنيدة
أضرب الأرض بقدمى
مرة ومرتين
لأطلب رغيف خبز
لا قمرا فى سماء..
أهبط هكذا..
بكل قسوة..
طفلة بخنجر لامع ومطوى
عدد الردود 0
بواسطة:
makrem
the coboys
عدد الردود 0
بواسطة:
مجمد أجمدي
في فيه مـــاء