يا له من شعب غريب يخلق من محنته إبداعا كالعادة، تلك العبارة التى داهمت تفكيرى، بينما كنت جالسا فى أحد المقاهى، التى تطل على الشارع وعندما سقطت عينى على إحدى السيارات المارة فى الطريق والتى كان ملصقا عليها "استيكر" مكتوبا عليه" ملاكى التحرير، 25 يناير" ولكننى فوجئت عندما وقعت عينى على سيارة أخرى وجدت ملصقا آخر يحمل شكلا آخر ولكن يختص أيضا بثورة يناير، عندها سارت فى نفسى الطمأنينة أن مصر بالفعل تتغير وأن هناك إيجابيات كثيرة وأن هذا الشعب الآن يعلم جيدا ماله وما عليه وأن ذلك الشعب الذى تحمل الظلم سنوات قادر على التغير ودار فى نفسى حديث بين عقلى وقلبى غلب فيه نقاش بين قوة التفكير وروعة الإحساس لتخرج صورة مبهرة رسمت بكل روعة وجمال صورة عبرت بالفعل عن الشعب المصرى ولكن.. ولكن كل ذلك للأسف تبخر فى لحظة... !!
لعل هناك من سيتعجب ولكنها الحقيقة فعلا تبخر ذلك الشعور المبهر، الذى شعرت به فى لحظة سرح فيها تفكيرى ليلتقى مع إحساسى فى صورة مبهرة يتمناها عقلى وقلبى معا للشعب المصرى، تبخر ذلك الإحساس لأننى صدمت بالواقع الذى أكد لى أن سلوكيات الشعب لم تتغير قبل وبعد الثورة!!!
انتابتنى حالة من الغضب عندما وجدت ذلك الطريق مكتظا بالسيارات ومعظمها يحمل ذلك "الاستيكر" الخاص بالثورة الشريفة والكل يريد أن يكسر النظام كما تعود والكل ينظر إلى الآخر مشمئزا منه، والكل مستعجل ويريد أن يعبر الطريق أولا مما أصاب الطريق بالشلل والضجيج ولكن.. هل كانت معنى الحرية التى طالب بها الشعب فى ثورة يناير هى نفس الحرية التى رأيتها فى الشارع؟ هل تلك الحرية نفسها التى وجدتها فى غلاظة النقاش بين طرفين متضادين هى نفسها التى كنا نرجوها فى ثورة يناير؟؟ عدت مرة أخرى لتفكيرى وإحساسى، ولكن هذه المرة بشكل واقعى حتى تخرج الصورة الحقيقية للشعب فى هذه اللحظة وأيقنت وقتها أن الأزمة الحقيقية التى تداهمنا هى أزمة الجهل التى يعيشها الشعب والتى خلفها النظام البائد ليترك شعبا لا يعرف حتى معنى التفكير!!
نعم يا سادة فلقد زرع النظام السابق فى نفوس المصريين الجهل السياسى وألهاهم عن التفكير فى كل شىء يمس السياسة حتى نسى الشعب أن له صوتاً وأنه له فكر وأن له حقوق وواجبات ووصل به الحال إلى أنه نسى أصلا معنى هويته الشخصية فكان يحملها خوفا من أمين شرطة هكذا هو الشعب الذى حورب من قبل النظام البائد بطرق عديدة ومحترفة للغاية، حيث إن هناك جوعى حتى يبحث عن طعامه ومن صعوبة المعيشة لم يكن يجد وقتا لأن يعرف معنى السياسة وإذا ما عبر حرب الجوع دخل حرب الترويع من قبل جهاز أمن الدولة البائد، الذى كان من أهم مهامه ترهيب المواطنين، وقص ألسنتهم، وغلق أعينهم، وغلق أفواههم، وسد أذنهم عن كل ما يجرى من فساد فى الدولة فكنا دوما نسمع عبارة "خلينى ماشى جنب الحيطة، أنا ليا عيال عاوز أربيهم" وهناك بالطبع أسلوب آخر تم مع الشباب هو إشغالهم فى كرة القدم وسماع الأغانى والأفلام.
اليوم بعدما رحل ذلك النظام البائد ظن الجميع أن الشعب المصرى لديه وعى كاف لكى يقرر مصيره ولكن مع أول اختبار رأينا الجهل، فلقد خرج علينا الحزب الذى كان محظورًا وفك الحظر من عليه بمجرد سقوط النظام ليشغل محل الحزب الحاكم فى النظام البائد، ولكن مع استخدام أساليب أخرى، فالحزب الحاكم كان يضم الناس بالفساد ويجمعهم بالأموال، ولكن الحزب الذى كان محظورًا لجأ إلى الدين لكى يوحد الناس وكأنك يا أبو زيد ما غزيت!!
الحرية والديمقراطية يا سادة ليست كما يظن البعض من ذوى الآراء التى كانت تصادر فى الماضى فالحرية ليس معناها توجيه الرأى العام نحو رأى معين من يخالفه يصبح خائنا وعميلاً ويصل لحد الخائن، الحرية والديمقراطية معناهما الحقيقى هو وجود نقاش فى قضية ما أو فى حدث ما يتقبل فيه جميع الأطراف جميع الآراء ولا يسفه رأى طرف ولا يعظم رأى طرف ففى النهاية جميعها أراء يقبل فيها الصواب والخطأ بنسب معينة فليس هناك من مخطئ وليس هناك من مصيب فلكل منا أسبابه وتفكيره الذى يحترم ولكل منا صوته الذى يعبر عن وجدانه.
نحن الآن نبنى نظاما جديدا على نفس النظام القديم ولا أعنى بذلك بناء الدولة بل أعنى بناء الآراء فما الفرق اليوم بين توجيه الرأى العام فى السابق وتوجيه الرأى العام الحالى؟؟ كلاهما واحد ولكن تبدلت المواقع فالمحظور أصبح مفرجًا عنه والحاكم أصبح محظورا، وهذا الطريق يؤدى بنا إلى نفس الطريق القديم وكأننا فى دوائر مغلقة، فلماذا يطالب البعض بفك الحزب الحاكم سابقا وحله؟؟ أليس ذلك أسلوبا ديكتاتوريا؟؟ فالأجدر أن يتحول ذلك الحزب إلى حزب عادى يمارس حقوقه السياسية وينتمى له من يشاء على شرط أن يتم حساب كل من أخطأ وأفسد ويعاقب بشكل صارم أليست تلك هى الديمقراطية؟؟ لماذا يتهكم البعض على ترشح هذا أو ذاك على منصب الرئاسة فليترشح من يشاء ما دامت تنطبق عليه الشروط ويتبعه من يشاء أليست تلك هى الحرية؟؟
للأسف أثبت لى أننا لابد أولا أن نعالج الجهل الذى خلفه النظام البائد فى تفكير الشعب المصرى وأيضا لابد أن يتوفر للمصرى الحياة الكريمة ولابد أن يمنح حقه السياسى والمدنى ومن ثم يطالب بالمشاركة سواء فى استفتاء أو فى اختيار من يمثله فى مجالس الدولة فى رئاسة بلدة فلا يجوز أن أطلب من شخص مصرى لا يجد لقمة العيش أن يبدى رأيه فى تغيير مادة من الدستور فمن الطبيعى ألا يشارك لأنه يجهل أصلا معنى الدستور ومن الطبيعى أن يترك المجال لتداول الآراء ويمنع منعا باتا تصدير رأى معين أو استغلال الدين أو العقيدة للوصول إلى أهداف غير شريفة بالمرة، وهذا ما يحدث الآن فى ظل عدم توفير الحياة الطبيعية لأى إنسان يطلب منه المشاركة السياسية واستغلال الجوع والجهل فى تحقيق مصالح معينة لبعض الأطراف.
بعدما انتهى ذلك الحوار الذى دار بداخلى شعرت بواقعيته الأليمة تمنيت أن تتغير سلوكيات الشعب المصرى، ولكننى قررت أننى لن أطمع حتى أتمنى أن تصل إلى تلك الدرجة الرهيبة التى تخيلتها فى الوهلة الأولى، ولكننى أتمنى أن أرى الشعب المصرى يتقبل الآراء، كما أننى تمنيت أن تنتهى سياسة التخوين والاتهام بالعمالة لمجرد أن الرأى مخالف فلكل منا آراؤه ولكل منا عقله وتفكيره وإحساسه ولكل من أسلوبه الذى لابد أن يتسم بالحرية المشروعة، انتهى الحوار بين شعورى وإحساسى بقيامى من مكانى وحملت معى شعورى وتمنيت أن يكون استيكر التحرير فى عقول الناس وقلوبهم قبل سيارتهم!!
محمد لطيف عطالله يكتب: ملاكى التحرير والحرية الوهمية
الثلاثاء، 05 أبريل 2011 05:04 م