الثقافات والعادات الحسنة متعددة لاسيما فى المجتمعات المتقدمة وقد أجدها فرصة لأستعرض بعض من هذه الثقافات التى قد تساهم إن عرفناها وتعلمناها فى مجتمعاتنا فقد تفيدنا فى بناء وتأسيس المجتمع الذى ننشده فإذا ماعرفت وفعلت هذه الثقافات لكانت أولى خطوات التقدم والرقى الذى ستشهده مجتمعاتنا.
وأبدأ هنا بثقافة من نوع خاص قد لا توجد فى مجتمعاتنا الشرقية إلا نادرا ولا أدرى السبب فى ذلك وإنما الأهم أن أستعرض الثقافة الأولى التى وقع اختيارى عليها من بين هذه الثقافات نظرا لأهميتها خاصة وأننا نبدأ عهد جديد فى بناء مصرنا الحبيبة على أسس حضارية إذا ما أردنا أن نضعها فى مصاف الدول الكبرى وهى ( ثقافة الاعتذار ) دعونا نتفق أن الخطأ وارد فى كل وقت وفى كل حين ، بل ومن أى شخص فلا أحد معصوم من الخطأ صغيرا كان أم كبيرا – وليس عيبا أن يخطئ الإنسان فكل ابن ادم خطاء كما ورد فى الحديث الشريف ولكن الأهم أن يدرك ويعترف بينه وبين نفسه أولا أنه اخطا بل وتكون لديه الشجاعة أن يعتذر وبسرعة لمن أخطأ فى حقه دون تكبر أو عناد، فخير الخطاءين التوابون ولكن هيهات هيهات فأغلب المجتمعات الشرقية مازالت لا تعرف ولا تعترف بثقافة الاعتذار بل أن هذه المجتمعات قد تجهل أن الاعتذار أدب إسلامى ينفى منك شعور الكبرياء، وينفى من قلب أخيك الحقد والبغضاء، ويدفع عنك الاعتراض عليك، أو إساءة الظن بك، حين يصدر منك ما ظاهره الخطأ.
ومع أن الاعتذار بهذا المعنى هو خلق حسن، فالأحسن منه أن تحذر من الوقوع فيما يجعلك مضطرًا للاعتذار فقد جاء فى الوصية الموجزة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبى أيوب الأنصارى رضى الله عنه: "ولا تكلم بكلام تعتذر منه غدًا" فإن زلت قدمك مرة فإنه: "لا حليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة" وعندئذ فإن من التواضع ألا تكابر فى الدفاع عن نفسك، بل إن الاعتراف بالخطأ أطيب للقلب، وأدعى إلى العفو، وقد يعتقد البعض أن الاعتذار يقلل من قدر الإنسان أو منزلته وأؤكد بأن الاعتذار لن ينقص من منزلتك يا أخى بل أنه يزيد قدرك فمن الحكمة أن تعترف بخطئك فقد يدعوك موقف من المواقف إلى الشدة، التى قد يظنها الناس منك غلظة، فما أجمل أن تبين دواعى شدتك، حتى لا يفسرها أحد بأنها سوء خلق منك، فمن تغلب على نفسه فاعتذر، فتغلب أنت على كبريائك فاعذُر فقد أقرَّ ابن القيم قبول عذر المعتذر من التواضع، ويقول فى ذلك: " من أساء إليك ثم جاء يعتذر عن إساءته.
فإن التواضع يوجب عليك قبول معذرته وعلامة الكرم والتواضع: أنك إذا رأيت الخلل فى عذره لا توقفه عليه ولا تحاجّه " وتلقى الأعذار بطيب نفس، وبالعفو والصفح، يحض الناس على الاعتذار وسوء المقابلة للمعتذر وتشديد اللائمة عليه يجعل النفوس تصر على الخطأ، وتأبى الاعتراف بالزلل، وترفض تقديم المعاذير همسه إن بادر المسىء بالاعتذار بادر أنت بقبول العذر والعفو عما مضى لئلا ينقطع المعروف – ما أجمل أن يعتذر من يخطئ وما أروع أن يصفح ويعفو من يتلق الاعتذار – يا ليتنا نتعلم ثقافى الاعتذار.
