شيرين العدوى

كل عام ونحن بخير

الجمعة، 29 أبريل 2011 07:34 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
(أنت أفريتة) كلمة ترددها الروح وتقرأ ملامحها النفس فى حال من السعادة تتناغم معها تقاسيم الوجه، فترتاح وترفض الشتات تردد روحى، تلك الكلمة كلما حدثت فتنة طائفية بينا مسيحيين ومسلمين بيد النظام السابق والقوى الخارجية مدفوعة الأجر، وقد ظهرت تلك الفتنة جلية منذ خمس سنوات طلت علينا بالنحس والخراب، وأفصحت عن مآربها فى فجاجة مقصودة لتصديع كيان المجتمع، وشغله عن البناء والعمل، فنجلس بالساعات أمام برامج التوك شو مولولين معها على من اختفى ومن ضاع ومن غير دينه ومن تزوج ومن طلق، ولكن أشد ما كان يميتنى ويفتتنى تفجيرات الكنائس، وقتل الأبرياء من مسلمين ومسحيين، ثم بعد إشعال حرائق النفوس وترك بصمات الأسى، والتأكد من نجاح الفتنة فى صورة كره مغلف بالمحبة من كلا الطرفين، يخرج علينا النظام السابق المنقذ ليؤكد على حق المسحيين فى أداء شعائرهم الدينية، وتهنئتهم بأعيادهم بزيارة كبار رجال الدولة للبابا شنودة، وغيره من الكلام الذى يجرح الروح أكثر من أن يطببها، ويزيد الشقوق أكثر من أن يلمها.

فيغيم المشهد ويختفى وتظهر راهبتى فى مدرسة (الفرنسسكان) بالمنصورة وهى تستقبلنا بوجهها الشمسى المشرق الأنوار وعينيها الزرقاوين مداعبة إيانا فى خفة ظل محببة إلى النفس قائلة لنا (إنت أفريتة) فى لكنة فرنسوية مصرية لم تستطع الأيام التى قضتها فى مصر أن تغيرها، تجرى وراءنا بزيها الجميل تداعبنا بكلمتها المشهورة وكثيرا ما كانت تستقبلنا وتودعنا بالبنبون الذى مازال طعمه ينمو بداخلنا فيشكل كل يوم ملمحا جديدا من ملامحنا، لنتعلم درسا عمليا فى كيفية تحبيب الأطفال فى المدارس، بل فى كيفية التعامل مع الطفل عموما لأن وجدان الطفل أشد من الحجر فى الحفر عليه، فتعلمت ألا أعبس أبدا فى وجه طفل على وجه الأرض، كان كل مدريى المدرسة والقائمين عليها راهبات فرنسويات بزيهن المييز الجميل المحتشم الأبيض فى الصيف والأسود فى الشتاء فتربى وجداننا على الاحتشام فلم أجد غضاضة أبدا بعد ذلك من ارتداء الحجاب الذى أمرنا به ديننا الحنيف، بل أحببت ذلك من كل قلبى ووجدته قربا وقربى إلى الله فى غير مغالاة أو تشدد. وتربينا فى تلك المدرسة على الصدق والإيمان بل على صدق الإيمان وأن الله هو المطلع على أفعالنا، وأننا إذا رضينا الرب رضينا العباد وأصلحنا البلاد، وتعلمنا إتقان العمل لأنه جزء من العبادة، تعلمنا النظافة والنظام، وتعلمنا الإتيكيت والحياء.

آااااه من هذا الحياء الذى يقف بينى وبين التعامل مع الوجود وإلى الآن، كل تلك التعاليم التى تعلمناها بشكل عملى كانت تُدرّسها لنا مُدرسة الدين الإسلامى فتهطل دموعى وأنا أستمع لقصص سيد الخلق محمد وأمانته وصدقه وحيائه عليه الصلاة والسلام، وكنت أغبط زميلاتى المسيحيات لأنهم يأخذن حصة الدين فى كنيسة المدرسة وسط الشموع ورائحة البخور، وكن يمثلن قصص القديسين فى شمس الصباح فى فناء المدرسة بينما نحبس نحن فى الفصل، بلغ من اهتمام مدرستنا بالدين أنها كانت تفرد جائزة لأفضل فتاة متفوقة فى مادة الدين سواء كانت مسيحية أم مسلمة، وكانت المدرسة تشجعنا على التفوق العلمى أيضا بثلاثة نياشين ذهبية وفضية وبرونزية تعلق على صدور المتفوقات لمدة أسبوعين فى حفل صباحى كل شهر فكان التعليم بالترغيب وليس بالترهيب.

لما كبرت وانتقلت إلى مدرسة حكومية ظلت أقارن بين راهبتى وبين فراش المدرسة الذى يستقبلنا كل صباح بوجه عابس وكأنه الليل الدامس، وعصا غليظة يحملها فى يمناه كانت تلك العصا عبارة عن مسطرة خشبية تسمى (أمل)، وانظروا إلى الاسم الذى صنعت من أجله تلك المسطرة وكيف كانت تستعمل كأداة للترهيب، صحيح أنه كان بالمدرسة كوادر من أهم كوادر التربية والتعليم وسأظل أكن لكل من علمنى حرفا عبودية إلى أن أموت، رغم ذلك يظل الفضل لسنيّى الأولى فى تشكيل وجدانى ورؤياى للعالم من حولى فى مثالية لا تتفق والواقع الذى أعيش فيه، فأصطدم كل يوم آلاف المرات لأنسحب إلى داخل نفسى ولا أجد سلوى لى سوى الشعر والعلم، عشت سنواتى الأولى لا أحس الفرق أبدا بين مسلم ومسيحى ولم تكن تذكر تلك الكلمة أبدا للتأكيد على وحدة الصف ووحدة المجتمع.

كل من حولنا واحد مسلم مسيحى كلنا واحد (طنط) هدى جارتنا التى كانت لا تنجب وتعتبر كل أطفال الشارع أولادها كانت مسيحية وكنت أستغرب حينما أسمع سورة مريم تتلى من شقتها وقت أفراحهم ووقت أحزانهم، وكذلك أم عيد البوابة التى لم تنجب غير عيد ودفعت به إلى حرب أكتوبر فى زهو وسعادة، وكانت تأتى إلى أمى تشرب معها الشاى وتحدثها عن عيد ولا أنسى ابتسامتها أبدا وهى تلق تحية الصباح أو المساء علينا حينما تقول (سعيدة عليكم) أستاذ كمال أستاذ الكيمياء العبقرى جارنا المسيحى الذى درس لإخوتى وزهوه وسعادته بأختى الطبيبة التى حصلت وقتها على الدرجة النهائية فى مادته، سعادتنا بشهيرة ابنته وهى تدخل كلية الصيدلة ونادر وهو يدخل كلية الطب، كنا فى المدرسة أسرة واحدة وفى حينا أيضا أسرة واحدة.

من أشاع فكرة الاضطهاد تلك من أسس لها وغذاها كنا نبارك لهم فى كل المناسبات ونواسيهم وهم كذلك فى غير افتعال أو تزيد، من قلب صادق مؤمن بأن كل الأديان تخرج من مشكاة واحدة.

وصدق الله العظيم حين قال فى صورة المائدة: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ).






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة