مهنة المحاماة تمثل جناحا من أجنحة العدالة ومكانتها ستظل منارة من منارات مصر، وحصنا حصينا من حصون العدالة والحرية، "المستشار فاروق سيف النصر وزير العدل الأسبق فى الاحتفالية الأولى بيوم المحاماة".
المحاماة والقضاء جناحا العدالة، وبدون المحاماة لا تستقيم المحاكمة العادلة، وإن استقلالية المحامى فى عمله تكون خير عنوان لحسن سير العدالة (المستشار محمود أبو الليل – وزير العدل الأسبق ).
المحاماة عريقة كالقضاء، مجيدة كالفضيلة وضرورية كالعدالة، وإن المحامى يكرس حياته لخدمة الناس دون أن يكون عبدا لأحد، وإن المحاماة تجعل المرء نبيلا عن غير طريق الولادة والميراث، غنيا بلا مال، رفيعا دون حاجة إلى لقب، سعيدا بغير ثروة "الفقيه روجير – رئيس مجلس القضاء الأعلى الفرنسى".
إن عناء المحامى أشد فى أحوال كثيرة من القاضى، لأنه ولإن كان القضاء مشقة فى البحث للمقارنة والمفاضلة والترجيح، فان على المحامين مشقة كبرى فى البحث للإبداع والإبداء والتأسيس "عبد العزيز باشا فهمى – رئيس محكمة النقض سابقا".
كل هذه السطور سطرها فقهاء القانون بسلاسل من ذهب، فأصبحت المنار الذى ينير الطريق لجميع رجال القانون بل وللمهتمين به، فقد أجمعوا وبحق على أن المحاماة والقضاء جناحا العدالة، وأن المحاماة هى رسالة سامية قبل أن تكون مهنة، وأن مشقة العناء التى قد يجدها المحامى قد تكون أعظم من المشقة التى يجدها القاضى، ولا تستقيم العدالة إلا بجناحيها، ولعل ما أجمع عليه فقهاء القانون من عظمة المحاماة باعتبارها أحد جناحى العدالة هو ما جعل معه حاملى تلك الرسالة الاهتمام بالجوانب التى قد تؤدى إلى ما يناقض هذا المفهوم الراسخ.
فالدستور قد نظم حق الدفاع محددا بعض جوانبه، مقررا كفالته كضمانة مبدئية أولية لعدم الإخلال بالحرية الشخصية، وصون الحقوق والحريات، وجميعها سواء فى تلك التى نص عليها الدستور أو التى قررتها التشريعات المعمول بها أورد فى شأن هذا الحق حكما قاطعا، حين نص فى الفقرة الأولى من المادة 69 من الدستور على أن حق الدفاع أصالة أو وكالة مكفول، ثم خطا الدستور خطوة أبعد بإقراره بالفقرة الثانية منها على أن تكفل الدولة لغير القادرين ماليا وسائل الالتجاء إلى القضاء والدفاع عن حقوقهم، فخول المشرع بموجبها تقرير الوسائل الملائمة التى يعين بها المعوذين على صون حقوقهم وحرياتهم، من خلال تأمين ضمانة الدفاع عنهم، وهى تعد ضمانة لازمة، كما كان حضور المحامى فى ذاته ضروريا كرادع لرجال السلطة العامة، إذا ما عمدوا إلى مخالفة القانون مطمئنين إلى انتفاء الرقابة على أعمالهم، أو غفوتها، بما مؤداه أن ضمانة الدفاع لا تقتصر قيمتها العملية على مرحلة المحاكمة وحدها، بل تمتد كذلك مظلتها وما يتصل بها من أوجه الحماية إلى المرحلة السابقة عليها، التى يمكن أن تحدد نتيجتها المصير النهائى لمن يقبض عليه أو يعتقل، ونجعل بعدئذ من محاكمته إطارا شكليا لا يرد عنه ضررا.
وبوجه خاص كلما أقر بالخداع أو الإغواء بما يدينه، أو تعرض لوسائل لحمله على الإدلاء بأقوال تناقض مصلحته، بعد انتزاعه من محيطه وتقييد حريته على وجه أو آخر وتوكيدا لهذا الاتجاه، وفى إطاره خول الدستور فى المادة 71 منه كل من قبض عليه أو اعتقل حق الاتصال بغيره لإبلاغه بما وقع أو الاستعانة به على الوجه الذى ينظمه القانون.
فضمانة الدفاع هى التى اعتبرها الدستور ركنا جوهريا فى المحاكمة المنصفة التى تطلبها فى المادة 67 منه كإطار للفصل فى كل اتهام جنائى تقديرا بأن صون النظام الاجتماعى ينافيه أن تكون القواعد التى تقررها الدولة فى مجال الفصل فى هذا الاتهام مصادمة للمفهوم الصحيح لإدارة العدالة الجنائية إدارة فعالة، وانطلاقا من أن إنكار ضمانة الدفاع أو فرض قيود تحد منها، إنما تخل بالقواعد المبدئية التى تقوم عليها المحاكمة المنصفة، والتى تعكس نظاما متكامل الملامح يتوخى صون كرامة وحماية حقوقه الأساسية، ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة، بما يخرجها عن أهدافها، كما ينال الإخلال بضمانة الدفاع من أصل البراءة، ذلك أن افتراض براءة المتهم من التهمة الموجهة إليه تقترن دائما من الناحية الدستورية، ولضمان فعاليته، بوسائل إجرائية إلزامية تعتبر كذلك ومن ناحية أخرى وثيقة الصلة بالحق فى الدفاع.
وتتمثل فى حق المتهم فى مواجهة الأدلة التى قدمتها النيابة العامة إثباتا للجريمة، والحق فى دحضها بأدلة النفى.
فحق الدفاع ضمانة أساسية يوفر الدستور من خلالها الفعالية لأحكامه التى تحول دون الإخلال بحقوق الفرد وحرياته، بغير الوسائل القانونية التى يقرها الدستور سواء فى جوانبها الوضعية أو الإجرائية، وهى بعد تؤمن لكل مواطن حماية متكافئة أمام القانون، وتعززها الأبعاد القانونية لحق التقاضى الذى قرر الدستور فى المادة 68 انصرافه إلى الناس كافة، مسقطا عوائقه وحواجزه على اختلافها، وملقيا على الدولة بمقتضاه التزاما أصيلا بأن تكفل لكل متقاضى نفاذا ميسرا إلى محاكمها للحصول على الترضية القضائية التى يقتضيها رد العدوان على الحقوق التى يدعيها، أو الإخلال بالحرية التى يمارسها، وكان حق الدفاع بالنظر إلى أبعاده وعلى ضوء الأهمية التى يمثلها فى بلورة الدور الاجتماعى للقضاء كحارس للحرية والحقوق على اختلافها، انتقالا بمبدأ الخضوع للقانون من مجالاته النظرية إلى تطبيقاته العملية، قد أضحى مستقرا كحقيقة مبدئية لا يمكن التفريط فيها، مندرجا فى إطار المبادئ المنظمة واقعا فى نطاق القيم التى غدا الإيمان بها راسخا فى وجدان البشرية، ولم تكن ضمانة الدفاع بالتالى ترفا يمكن التجاوز عنه فإن التعلق بأهدابها الشكلية دون تعمق لحقائقها الموضوعية يعتبر إنكارا لمضمونها الحق، مصادما لمعنى العدالة، منافيا لمتطلباتها، ومن ثم لم يجز الدستور للسلطة التشريعية إهدار هذا الحق أو الانتقاص منه، بما يعطل فعاليته أو يحد منها كاشفا بذلك عن إنكار ضمانة الدفاع أو تقييدها بما يخرجها من الأغراض المقصودة، منها إنما يؤول فى أغلب صوره إلى إسقاط الضمانة التى كفلها الدستور، وضمانة الدفاع التى كفلها الدستور بنص المادة 69 لا يمكن فصلها أو عزلها عن حق التقاضى، ذلك أنهما يتكاملان ويعملان معا فى دائرة الترضية القضائية التى يعتبر اجتناؤها غاية نهائية للخصومة القضائية، فلا حجة لحق التقاضى، ما لم يكن متساندا لضمانة الدفاع مؤكدا لأبعادها عاملا من أجل إنقاذ مقتضاها.
وأن إنكار ضمانة الدفاع أو انتقاصها لا يعدو كذلك أن يكون إخلالا بالحق المقرر دستوريا، لكل مواطن فى مجال اللجوء إلى قاضيه الطبيعى.
والمحاماة باعتبارها رسالة الدفاع عن الحق وتعبيرا عن سيادة القانون وتأكيدا له، فهى جناح العدالة الذى لا غنى عنها، وعلى ذلك فقد اشترط المشرع لضمان محاكمة عادلة وجوب تمثيلها فى المحاكمات كالجنايات والأحداث، فالدور الذى تشغله المحاماة يتميز بالإيجابية التى لا يمكن إغفالها.
من هنا فقد حق القول بضرورة التأكيد أن المحاماة والقضاء هما جناحا العدالة، ولا تستقيم العدالة دون المشاركة الإيجابية التى يجب أن تسود الأسرة القانونية، والمكونة من محامين وقضاة، وإن استقلالية المحامى فى عمله تكون خير عون لحسن سير العدالة، وأن تأديته لرسالته دون ضغوط عصبية تساعد على تحقيق سير العدالة التى نصبوا إليها جميعا، ويكون لها الأثر الإيجابى المباشر فى تأدية القضاة لرسالتهم العظيمة، والمحامون دائما يدركون كما يدرك باقى أفراد الشعب أن القضاء هو الحصن الحصين الذى نلوذ إليه، والقضاة يدركون أنهم اليوم قضاء جالس وغدا قضاء واقف، وقانون السلطة القضائية فى المادة 47 منه قد أوجب تعيين المحاميين بالقضاء مشترطا فى ذلك نسبة 25% للتعيين بالمحاكم الابتدائية و10%، للتعيين بمحاكم الاستئناف، الأمر الذى يؤكد التجانس بين القضاء الجالس والواقف، من هنا فقد حق القول بضرورة الحث على الحفاظ على المناخ الذى يجب أن يسود فيما بين أعضاء الأسرة القانونية، من تعاون مشترك، وتقدير متبادل، والتزام بأحكام القانون، ضمانا لحسن سير العدالة.
نقيب المحامين ورئيس اتحاد المحامين العرب
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة