فن إدارة الأزمات يحتاج دائما إلى كثير من الخبرة والحكمة والقدرة على اتخاذ قرار حاسم سريع صائب فى مجمله.. الأمر بطبيعة الحال ليس فى سهولة ما أكتبه الآن باختصار شديد، ولكن فى مصر يمكنك ملاحظة أن لدينا أزمة فى إدارة أى أزمة!
فى السنوات الأخيرة تراجعت الكفاءات بشكل ملحوظ بل ومتعمد واختفى التخطيط المسبق لإدارة الأزمات وتوقعها والتدريب على مواجهتها، مما أدى إلى تفاقم مشكلات كانت فى حقيقتها أقل من هذا الحجم التى ظهرت عليه وكانت من نتائجها أن لجأنا إلى الشكوى باستمرار ثم إلى الاحتجاج ومن ثم الفوضى دون أن نجد مسئولا حكوميا لديه القدرة على احتواء غضبنا فى مهده وتهدئة ما يسمى بالرأى العام مع إننى أحمل لهذه العبارة الأخيرة كثيرا من التحفظ بسبب بعض الممارسات الصحفية السقيمة التى مازالت تلقى بظلالها على إدارة الأزمات رغم أهمية وقيمة الدور الذى يلعبه الإعلام وقت الأزمات وتحكمه شبه المطلق فى توجيه وتكوين رأى عام حقيقى وواع فى الدول الديمقراطية، التى أصبحنا على أعتابها إن أردنا الاستمرار وتبدو لى أزمة تعيين محافظ قنا والمراحل التى مرت بها حتى انتهت إلى تكليف السكرتير العام للمحافظة بإدارة شئونها مؤقتا مثالا واضحا على تلك الأزمات التى فشلنا فى إدارتها وأتبعنا معها أساليب باتت لا تصلح مع مواطن ثائر غاضب بل وكاره لكل من تشوبه شائبة من النظام السابق، وبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع هذا الرأى فإن الحكومة الحالية قد ساعدت على ترسيخه لدى المواطنين وأصبحت مناقشة مدى صحته الآن غير مجدية كالنقش على الماء.
المتابع لأزمة تعيين محافظ قنا سيكتشف أن الحكومة فى البداية تركت الأمر تماما وكأنه لا يعنيها لعدة أيام ثم جلست تتأمل بعض الشخصيات العامة وهى تحاول التدخل لإنهاء الأزمة ولما لم ينجحوا رغم ما بذلوه من جهد اختارت الحل الأمنى ولوحت به ثم سرعان ما تراجعت عنه أمام ثورة غضب أبناء المحافظة، وهو ما وجد صدى بالإسكندرية فخرج أبناؤها لإقالة محافظهم الجديد أيضًا!
من وجهة نظرى أرى أن الحكومة تساهم بقدر كبير فى صناعة الأزمة بل وفى تفاقمها منذ البداية من خلال اتخاذ قرارات غير مدروسة بعناية رغم أهميتها وأرى أيضا فى بعضها أنها تتجاهل الرأى العام حتى ولو افترضنا أنه موجه، ولكنه فى النهاية موجود وواقع علينا أن نحترمه حتى نغيره إلى الأحسن.. أما الإصرار على اختيار محافظ على مرجعية دينية فى تلك المحافظة وخلفية شرطية يرفضها الكثيرون من أبناء قنا فهو أمر يسحب من رصيد الهيبة التى من المفترض أن تصاحب الدولة فى كل قراراتها وقد كان من الممكن تدارك كل هذا من البداية إذا ما تمهلنا ودرسنا القرار جيدا وتبعاته المحتملة.
وإذا ما كانت بعض الوزارات قد ظلت بلا وزير لأسابيع فما الذى كان سيضير أبناء قنا لو تولى سكرتير المحافظة الذى تم تكليفه الآن شئونهم منذ البداية لحين اختيار محافظ يلتفون حوله.
ليس عيبا أن نتخذ قرارًا خاطئا ثم نتراجع عنه ونصححه ونعلن ذلك بكل وضوح ونقول إن القرار كان غير ملائم أما البطء فى اتخاذ القرار والتهديد باتخاذ إجراءات حاسمة ثم التراجع عنها أيا كان السبب فإن هذا الأمر يرجع بذاكرتنا إلى أيام لا نريد لها أن تعود أبدا بعد أن ولت إلى غير رجعة واذا لم تستطع الحكومة التمهل والتروى قبل اتخاذ القرار فأنا أقترح عليها تصنيع جهاز يحمل ذاكرة آلية تضعه فى ميدان التحرير وكلما اتخذت قرارًا تخرج من الجهاز رسالة صوتية مسجلة تقول "القرار الذى اتخذته غير صحيح من فضلك تأكد من القرار المطلوب ثم أعد المحاولة مرة أخرى"!!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة