هل تغطيت بلحاف الثورة؟
إن لم تكن قد فعلت فلعلك لبست تى- شيرتها؟
فإن لم تكن فمن المؤكد أنك وضعت على رأسك قبعة من قبعاتها؟
فإن لم تكن قد وضعت، أو تغطيت أو – لمؤاخذة- لبست، فحتماً (ولابد) أنك غير متعاطف مع الثورة المجيدة وقد تكون من أتباع الثورة المضادة وسيظل هذا الاتهام يلاحقك إلى أن تشترى أى شىء من رائحة الثورة، فالينة، طاقية، شورت..إلخ.
فى المواسم والأعياد وفى الأحداث غير الاعتيادية التى يمر بها المجتمع كالثورات والحروب والتغيرات الاجتماعية الكبرى، ينشط أصحاب "البسينس السريع"، يتبارون فيما بينهم لتجهيز سلعة تتناسب مع طبيعة هذا الحدث الراهن، ففى شهر رمضان المبارك تغرق البلاد فى بحر من الفوانيس المتنوعة الأشكال وفى الأعياد تنتشر المفرقعات الصينية، والتى من فرط المنافسة بين التجار تكاد تتحول إلى متفجرات حقيقة وذخائر حية.
هناك فرق كبير بين المشروع التجارى و"السبوبة"، فالمشروع التجارى بجانب أن يكسب صاحبه منافع مادية إلا أنه يكسبه أيضاً صيتاً وشرفاً يتمتع به فى حياته ويورثه لأولاده وأحفاده من بعده، المشروع التجارى الحقيقى عمره أطول من عمر صاحبه، أما السبوبة فلأنها ترتبط بحدث ظرفى، فهى أيضاً ظرفية، فصاحبها سرعان ما يتحول عنها ويولى وجه شطر سبوبة أخرى تلائم الأوضاع والظروف المستجدة، ومع أن المكاسب المادية للسبوبة قد تكون كبيرة وسريعة إلا أنها لا تحقق لصاحبها السعادة ولا تكسبه الاحترام لا أمام نفسه ولا أمام المجتمع الذى يعيش فيه.
المشروع التجارى الحقيقى هو المشروع الذى يحتوى على فكرة جيدة للربح مضاف إليها قيمة اجتماعية أو أخلاقية معينة، فمعظم الشركات العالمية الكبرى والصغرى قد ابتدعت (والبدعة هنا حسنة) نظام يطلق عليه مجموعة القواعد الأخلاقية الخاص بالشركة أو ما يعرف بالإنجليزية بـ code of ethics، يحتوى هذا النظام كما هو واضح من المعنى على مجموعة من القواعد الأخلاقية التى توضح رؤية الشركة ونظرتها لمشاكل مجتمعها بصفة خاصة والمشاكل العالمية بصورة عامة وكيفية المساهمة فى حل هذه المشكلات، فهناك مثلاً شركات تهتم بحسب قواعد القيم الخاص بها بإنتاج سلع ومنتجات تحافظ على البيئة وتحد من التلوث، وشركات تهتم بتدعيم حقوق الإنسان، وأخرى تساهم فى التحسين من مستوى التعليم ونشر الثقافة، إلخ.
المشروع التجارى الذى يقوم بخلق قيمة أخلاقية جديدة فى المجتمع أو يدعم قيمة موجودة بالفعل يكسب صاحبه المصداقية أمام الناس والمصداقية تعنى ثقة الزبائن فى منتجات هذه الشركة وهذه الثقة تعتبر بحد ذاتها رأس مال ومكسب كبير قد يكون بعيد الأمد إلا أنه مضمون ومستمر، لذا نجد أن الكثير من الشركات العالمية التى تعتمد مثل هذه القيم قد مر على إنشائها عشرات السنوات ومازالت تتفاخر إلى الآن بعراقتها وجذورها الضاربة فى التاريخ.
وفى مصر نلاحظ أن المشاريع العريقة والتى كانت تستند على قيم واضحة هى المشاريع التى مازالت حية ترزق إلى يومنا هذا، فهناك مثلاً بنك مصر وقصر العينى وشركة عثمان أحمد عثمان، وعمر أفندى ناهيك عن العديد من المشاريع الموجودة فى مختلف القرى والمدن والتى جاوز عمرها المائة عام، ألم تلاحظ عزيزى القارئ أن هناك العديد من المستشفيات والمدارس والمصانع والمطاعم والشركات مازالت إلى الآن تحمل أسماء أصحابها الذين توفوا من عشرات السنين؟!
قد يظن البعض من كلامى أن القيم ترتبط فقط بالمشاريع الكبرى وأن على المرء أن يفكر فى إنشاء مشاريع كقصر العينى أو السد العالى أو بنك مصر، لم أقصد هذا مطلقاً، فالقيم ليست حكراً على المشاريع الكبيرة وحدها، فهناك مشاريع صغيرة تدعم العديد من القيم الاجتماعية والأخلاقية، فقد تؤسس مطعم وتوزع جزءًا من وجباته على الأيتام فى عطلة الأسبوع أو على الفقراء فى شهر رمضان، وقد تأسس كوفى شوب وتنشئ فيه مكتبة كبيرة لنشر الثقافة بين الشباب، وقد تنتج سلعة عالية الجودة معتدلة السعر أو أن تتعامل بجدية مع اقتراحات الزبائن وشكاواهم وهذا فى حد ذاته يعتبر مراعاة لظروف الناس المادية، أيضاً حينما تستثمر فى موظفيك وتمنحهم أجورًا مرتفعة وعلاوات دورية وإجازات سنوية وتأمين صحى محترم لهم ولذويهم فهذا فى حد ذاته يعتبر قيمة كبيرة، وهل بعد احترام آدمية الإنسان من قيمة؟
هذه أمثلة بسيطة توضح أن الربح المادى لا يتعارض مع القيم الأخلاقية كما نظن، لذا قبل أن نفكر فى إنشاء مشروع تجارى علينا أن نفكر ملياً فى القيمة التى سيضيفها هذا المشروع للمجتمع، أى علينا أن نفكر فيما سنحققه نحن من ربح وما سيحققه الآخرون من وراء هذا المشروع، من السهل أن يسافر الواحد منا إلى الصين ويتفق على منتج ما ويأتى به إلى البلاد ويعلن عنه فى مختلف وسائل الإعلام، قد يحقق بهذه الطريقة ثروة كبيرة من المال، لكنه لن يحقق السعادة بأى حال من الأحوال، فما فائدة المال الذى لا يقترن بسعادة؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة