أصبحت حياتنا كلها سيرا عكس الاتجاه الصحيح فى عقائدنا وانتمائنا وتعاملاتنا وأحلامنا وطموحاتنا.
منذ نعومة أظفارنا ونحن نسير كس الاتجاه ولا نعرف لماذا، ومن يحاول أن يسير فى الاتجاه الصحيح يكون شاذا بين قرنائه، أو لا يلبث أن يمل الاتجاه الصحيح فيسلك غيره.
كنا نصر ونحن صغار لى ارتداء حذائنا (خلف خلاف) اليمنى فى اليسرى واليسرى فى اليمنى و كثيرا ما كان آباؤنا يعنفوننا على ذلك. وكنا نأكل باليد اليسرى ونجد أمهاتنا تقول ناهرة غاضبة (كل بيمينك)..أشياء كثيرة كبرنا ونحن نسير فيها عكس الاتجاه على الرغم من وجود الموجه لنا الدال على الخير غير أننا مازلنا نصر.
الغريب أن هذا الأمر لازمنا حتى عندما كبرنا وصرنا نتحمل مسئولية البيت وتربية الأبناء ونحاول أن نعلم أبناءنا السير فى الاتجاه الصحيح، كما كان يفعل معنا آباؤنا، ننهاهم عن السير ليلا فى طريق مظلم ونجدهم يصرون على ذلك، نحذرهم، كما كان يفعل آباؤنا معنا، من اللعب بالكرة فى البيت ونجدهم يلعبون ويكسرون زجاج البيت، نشتاط غضبا إذا وجدنا فيهم من يدخن، كما كان حالنا... لكن لا هم يتعلمون ولا نحن أقلعنا عن السير فى الاتجاه غير الصحيح. وجدنا ذلك فى عقائدنا.. فالواحد منا مهما كانت ديانته لا يعرف أن دينه وجد من أجله ولم يوجد هو من أجل الدين، لذا وجدناه يمن على الدين أنه ينتمى إليه ولا يظهر من البراهين ما يدل على ذلك بل تجده مقصرا فى اتباع المنهج القويم الذى ارتضاه رب العالمين لنا لذا تجد الفواحش ما ظهر منها وما بطن وتجد استغلال الدين فى اللعب بألفاظه وتأويله على حسب هواه وأصبح الدين، أيا كان مسماه يستغل فى خدمة هوى الفرد أو الطائفة أو المذهب دون النظر لأبعد من ذلك، وهى أن الدين جاء للجماعة كلها، جاء يخدم الفرد فى صورة الجماعة وليس كل فرد على حدة، لذا أخذنا الدين ومضينا به عكس الاتجاه وكانت النتيجة مخالفات لا حصر لها فى أصحاب العقيدة، هؤلاء وأولئك، وهناك من يكفر هذا ويلعن هذا، تجدهم فى الإسلام والمسيحية واليهودية.
ونجد السير عكس الاتجاه فى انتماءاتنا للوطن، فنحن خلقنا من أجل الوطن ولم يخلق الوطن من أجلنا، لذا كان اتجاه السير الطبيعى أن نخدم الوطن وأن نغار عليه ونحافظ عليه ونحميه، لكن للأسف سرنا عكس الاتجاه، جعلنا الوطن سلما لنزواتنا وأهوائنا وطموحاتنا، وجدنا منا من يضحى به من أجل حفنة من الدولارات، ووجدنا من يبيع الوطن، ووجدنا من يتاجر فى أرضه ومائه وهوائه وسمائه وموارده الطبيعية، وجدنا صاحب أصغر وظيفة يستغل موارد وطنه، كما يفعل صاحب أكبر منصب، وجدنا من فتح حسابات بنكية فى بنوك سويسرية، فجعلوا من الوطن مصيدة أو كما يقولها التجار(سبوبة) فظهرت على السطح طوائف من البشر بين يوم وليلة وقد أصبحوا من ذوى المال والجاه وحينما كشف القناع عنهم كانوا قد رحلوا عن البلاد بما خف وزنه وغلا ثمنه. والقلة القليلة من الشرفاء أصبحوا يعانون من الاضطهاد والتعسف والقهر لا لشىء، سوى أنهم كشفوا فسادا أو رفضوا الانخراط فى عالم الرشوة والفساد أو بمعنى أدق: رفضوا السير فى عكس الاتجاه.
لذا ليس بالغريب أن تجدنا فى تعاملاتنا قد تغيرنا فبعد السير عكس الاتجاه فى تطبيق الدين والانتماء الوطن من السهل أن تجد كل شىء يسير عكس الاتجاه.
أصبحت بناتنا بضاعة لمن يدفع أكثر، سواء أكانت قاصر أو غير ذلك، أصبحنا نجد من ينتهك الحرمات بلا وازع دينى، أصبحنا نقتل بعضنا البعض لمجرد القتل وكأن القتل هو السلاح الأول والأخير أصبحنا نتفنن فى الإيذاء، أصبحنا نتخلى عن طموحاتنا فى أن نصعد السلم الوظيفى ونتدرج فى الحياة طبيعيا، فالسير عكس الاتجاه أقصر الطرق.
أحاول كثيرا أن أجد إجابة لذلك السؤال، لماذا السير عكس الاتجاه؟ فهل أجد عندكم إجابة، أم أن سؤالى يسير فى عكس الاتجاه؟
