تمثل الثورة المصرية، نموذجا للثورة السليمة التى دعت للتغيير بأساليب سلمية مستخدمة التكنولوجيا الحديثة وحركة الشعب على الأرض، ولا شك أن انطلاق الثورة وتكليلها بالنجاح فى مراحلها الأولى يحتاج منا اليقظة لما هو مقبل علينا قبل أن تضع الثورة أوزارها بشكل نهائى وننخرط مرة أخرى فى الحياة وسريانها بشكل طبيعى، ولذلك أن لم نستطع خلال عامين بالكثير من الآن أن نحدد شكل دولتنا الحديثة والعصرية والآليات التى يمكن التمسك بها خلال المرحلة القادمة بشكل يضمن دولة العدالة والعلم والحرية واحترام حقوق الإنسان وضمان دعم المهارات الفكرية والذهنية والعملية للمجتمع سوف تضيع علينا مرحلة هامة فى بناء الأمم وتطورها، لذلك على شباب الثورة وقيادات المرحلة أن لا ينشغلوا فقط بمحاكمة النظام وفلوله المنتشرة فى أرجاء الكثير من مؤسسات الدولة وفى شكل معارضين فى أحيان أخرى والعمل على تطهير البلاد من أمثال هؤلاء المخلفات الذين يركنوا فى الأغلب فى الصفوف الأولى فى العديد من مؤسسات الدولة وهياكلها حتى يكونوا عبرة لمن يأتى من بعدهم، بل إن عليهم الأهم أيضًا أن يحددوا طريق مصر المستقبل بشكل يسهم فى حياة كريمة للمواطن ورفع كفاءاته وتنمية مهاراته سواء على مستوى إدارة الأزمات أو القدرة على الإقناع والتفاوض، وأن يكون الاهتمام بالمواطن واحترامه الأهم من بعض الهواجس الأمنية التى تسيطر على الكثير من الأشخاص بدون وجود حقائق ثابتة بقدر ما هى افتراضات فى الكثير من الأحيان تعرقل انطلاق الدولة وسيرها نحو الأمام، علينا أن نحدد معايير واضحة للأمن القومى ومحدداته بشكل قاطع بعيد عن العبارات المطاطة التى تستخدمها العقول المريضة لفرض السيطرة على حرية المواطن وإحساسه بكرامته ودوره فى المجتمع، علينا تنظيم ورش العمل والندوات والمؤتمرات وإعادة صياغة التعليم وهيكلته بشكل يضمن بناء مجتمع المعرفة والعلم واحترام حريات المواطنين وبناء المهارات الذهنية والفكرية والروحية والجسدية للمواطن المصرى، وأن نضع نظام يضمن الوصول للعدالة ويحترم حقوق الإنسان بدون عوائق لا تمييز فيها ما بين المواطنين، وإعادة النظر فى الحصانات التى قد يحتمى وراءها الخارجين عن القانون بشكل يضمن وصول العدالة للكافة دون تمييز أو استقواء البعض على البعض الآخر، ووضع قانون تداول المعلومات بآليات تنفيذية وعقابية لمن لا يحترم تنفيذها، وبشكل يضمن تداول المعلومات احترامًا لحق المواطن فى المعرفة والمحاسبة وبما يدعم البحث العلمى والاستثمار، وعلينا أن ندعم من الآن نظام يدعم الشفافية فى مؤسسات الدولة وفى ذات الوقت يمكن من مسألة المخالفين والتضييق عليهم بشكل يقيد من وجود مناج لتشجيع الفساد والإفساد، ومحاربة الخارجين عن القانون واحترام تطور الدولة وانطلاقها؛ والعمل بشكل جاد على زيادة الوعى بأهمية دور المواطن وتفاعله فى الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية وخاصة مع انتشار آليات التعبير والاتصال والتواصل، والعمل على تنقية القوانين من كل ما يخرق احترام حرية المواطنين وحقهم فى المعرفة بما يمنح مناخ يحترم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان داخل المجتمع.
إن مصر فى احتياج حقيقى لنقلة نوعية فى الأفكار والقواعد والآليات التى تحترم العدالة والعلم، وسيادة الشعب، وسيادة القانون المنظم للمجتمعات بشكل ينسجم مع المجتمع ويتفاعل معه ويؤكد العدالة ويدعمها، فالعدالة تتطور مع المجتمعات وتتفاعل معها، دعونا نعيش مثل بحار متحركة لها العوامل التى تحركها بمثابة آليات، وليس مستنقعات راكدة لا تجد العوامل اللازمة لحركتها، دعونا نتعامل مع كل تغير وانتقال مفيد وصانع للتقدم والتطور، ولا تجعلونا مثل المستنقعات الثابثة لا تتفاعل ولا تتحرك وتنتشر حولها الجراثيم والبكتريا.
يا شباب الثورة، ويا شعب مصر العظيم دعونا نتحرر من المزاج الشخصى، والخبرات الشخصية إلى وضع الآليات والقواعد الداعمة للمجتمع ولتطوره، آليات قادرة على المحاكمة والمسألة سواء لمن فى السلطة ومن يحتمى وراء مؤسسات الدولة وسلطاتها أو كان من افراد المجتمع؛ والعمل على التطوير وبناء العقلية المصرية القادرة على التفاعل مع المجتمع ومع العالم من حولها، والتعامل بشكل احترافى ومهارى فى عملها، دعونا نساعد المجتمع على البناء والتطوير والتصحيح بشكل يخدم مصر، ويضمن حياة كريمة للأفراد، ورقى وعلو لمصرنا الحبيبة.
علينا أن نتحرك قبل أن يحاكمنا التاريخ وقبل أن تضع الثورة أوزارها، وتسير عجلة الحياة مرة أخرى بشكلها الذى نحدده اليوم بناء على نظرتنا للمستقبل، واختيارنا لشكل طريق المستقبل، دعونا نؤسس لدولة تضع الآليات القادرة على نقل المجتمع وتحترم قواعد العدالة والعلم وحقوق الإنسان وتحمى المواطنين من بطش السلطة وانحرافها، دولة تدعم العلم وتضع الآليات اللازمة لتطوير التعليم وصناعة عقلية مهارية متطورة متفاعلة مع الواقع والمستقبل، عقلية قادرة ان تبنى مصر المستقبل وتسهم فى تطور المجتمعات والإضافة إلى العالم.
* مدير جماعة القسطاس للحقوق القانونية والدستورية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة