ولد السيد المسيح وأمه السيدة مريم العذراء فى بيت لحم بفلسطين، وبدأ التاريخ الميلادى الذى نعيش منه عامنا الحادى عشر بعد الألفية الثانية.
حينما فاجأتها الآم المخاض فجلست إلى جذع النخلة ووضعته نبياً وهزت الجذع فتساقط عليها رطباً.
قامت ماشية تحمل على كلتا يديها هذا النبى حديث الولادة فما كان من أهلها إلا واجهوها بالسخط والاستنكار: ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا فأشارت إلى وليدها فاستنكروا: كيف نكلم من كان فى المهد صبيا فعاجلهم عيسى عليه السلام سلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا أنا نبيكم من الله أداوى الأبرص وأبره الأكمه – بإذن الله – فهاموا على وجوههم منهم من آمن ومنهم من كفر.. وكان هناك حاكماً كافراً حينما تنامى إلى علمه إيمان رهط من الناس جمعهم فى مكان وأحاط بهم النار حتى أحرقهم جميعاً وشهد القرآن الكريم على هذه الواقعة التى راح ضحيتها عباد آمنوا برسالة السيد المسيح.
وعندما اشتد الوطيس على النبى عيسى وأمه السيدة مريم بنت عمران جاءتها رسالة السماء أن اذهبى إلى مصر وكانت مصر هى البداية الحقيقية لنشر رسالة المسيحية.
ومازال مقعد مرقص هو الرئاسة البابوية للمسيحيين الشرقيين حتى اليوم موازياً لمقعد المسيحيين الغربيين فى الفاتيكان.
وتم بناء الكاتدرائية المرقسية بالعباسية التى تعتبر هى بيت البابوية للشرقيين والبابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية هو الأعلى والأب لهم أجمعين .
إن رسالة الإسلام والدين الخاتم للناس جميعاً فبعث رسولنا الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم – رسوله حاطب بن أبى بلتعة عام 6 هـ الموافق 627 من الميلاد على رأس وفد إلى المقوقس - حاكم مصر ( قيرس) الذى أحسن الاستقبال وعاودهم بهديتين هما مارية القبطية وشقيقتها " سيرين " وبعض الهدايا والأمتعة وتزوج سيدنا محمد من مارية التى أنجبت له ولده إبراهيم الذى مات صبياً وقال له : إن العين لتدمع والقلب ليخشع وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون .. وزوج رسولنا الكريم " سيرين " إلى شاعره حسان بن ثابت الذى كان يكن لمصر كل تقدير واحترام فى كل أشعاره.
إن مصر هى مبعث الأمن والأمان لأهلها وكل زائريها فلم ترى المسيحية الانتشار الحقيقى سوى عندما هاجرت العائلة المقدسة إلى مصر هربا من اضطهاد اليهود ومليكهم فى فلسطين .. فكما أمن عدد كبير بالرسالة المسيحية أمن عدد كبير برسالة الإسلام وهذا ما رأيناه.
فى إيضاح الأسقف يوحنا النقيوسى فى كتابه (تاريخ مصر) الذى يعد رؤية قبطية لفتح مصر.
إن المسيحيين لم تكن لهم أى مشاركات فى حكم البلاد أو أى حقوق مدنية وحرموا من الاشتراك فى الجيش ولم يعترف الحكام بلغتهم وغلبوا عليهم اللغة اليونانية التى هى الرسمية للبلاد منذ عهد البطالمة حتى الفتح الإسلامى سنة 18 – 20 هـ لقد أطلق بعض المؤرخين اسم الفتح العربى عليه لأن اللغة العربية كانت هى المتسيدة ولانضمام بعض النصارى معهم لقتال الكفار الذين لا دين لهم – وأيما كان الأمر – سرعان ما استراح المصريون لدين الإسلام الذى لم يكن دين سيف أو إكراه بل كان وسيظل دين الرحمة والعدالة .
قدر المسلمون الدين المسيحى كدين سماوى وحاربوا العقائد الأخرى التى كانت تعج بها مصر وغالبتها ما أنزل الله بها من سلطان وتمت إزالة آثار الإمبراطورية الرومانية وعاشت المسيحية إلى جوار الإسلام واستمرت اليهودية على استحياء.
لم تكن مصر للمسيحيين فقط بل كانت لكثيرين ولم تتمتع بالوجود الحقيقى سوى بالفتح الإسلامى العربى لتلك البلاد وحمى المسلمون الكنائس والأديرة وكل آثار الأديان الأخرى منذ عهد الفراعنة فظلت الأهرام والمعروفة بالآثار الفرعونية ومثيلاتها الكثير وظلت آثار الرومان والبطالمة وظلت الكنائس والأديرة والمعابد اليهودية حتى اليوم .. ومازلنا نرى رفات الكاهن اليهودى أبو حصيرة فى قرية دمتيوه بدمنهور مزاراً لهم كل عام يوم مولده الذى أتى على حصيرة من المغرب.
إن أول من بشر بمبعث سيدنا محمد هى راهبة من بلاد الشام التى رأت فى وجه عبد الله بن عبد المطلب والد سيدنا محمد نور آخر الأنبياء وطلبت منه الزواج وكانت تبيع له بأرخص الأثمان وتشترى بأعلى الأسعار فى رحلة الصيف عبر بلاد الشام وأمر الله كان مفعولاً فلم يستطع الزواج منها وعاد إلى قريش وتزوج أمنة بنت وهب وحملت منه وعاد إلى رحلة الشام فلم يجد من هذه الراهبة ما كان يلقاه فألح فى سؤالها متعجباً لماذا لم أرى ما كنت أراه من اهتمام فى البيع والشراء فقالت له : إنك تزوجت فردها متعجباً نعم ولم يستطع النكران فعاجلته وزوجك حملت فتعجب أكثر ولم يستطع الإنكار .. ولكن لم يمنعه ذلك من سؤالها : كيف لك كل هذا فردته قائلة : إن وجهك كان فيه نور وهو بشارة آخر الأنبياء وبحمل زوجك ذهب هذا النور إلى رحمها وكنت أتمنى أن أنال هذا الشرف المروم ولكن الله لم يشأ لى ذلك " ورقة بن نوفل " ابن عم السيدة خديجة وهو راهب حينما ذهبت إليه ابنة عمه تسأله عن سبب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم زملينى.. زملينى فعاجلها بالبشارة بأن ذلك كله علامة البنوة لأخر الأنبياء وبارك لها.
إن المسيحيين هم أقرب الناس مودة إلى الإسلام منذ فجر الرسالات ومصر هى انتشار الديانتين ومبعثهما إلى العالم كله .
وحينما أتت الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1798م توقفت الحملة عند بلده صغيرة فى حضن الجبل كان يعمرها الرومان وسكنها رهط من المسيحيين وقبيل أن تدور هذه الموقعة استعانوا ببدو الإسلام لمواجهة الفرنسيين فى العاشر من أبريل سنة 1799م وأتى النصر لهما على هذه الحملة المتغطرسة وعرفت بموقعة جهينة نسبة للبدو المسلمين وأطلق هذا الاسم على تلك القرية التى مازالت شاهد عيان على وحدة الإسلام والمسيحيين غرب طهطا بسوهاج.
وحينما أراد نصارى منطقة نزة الحاجر بناء كنيسة شرع معهم المسلمون فى الجدار ولما أحسوا بالحكومة آتية لهدمها فى عهد الملك فاروق نهض المسلمون لحمايتها بتقطيع جريد النخيل فى الليلة وحملوه على الجمال وسقفوا الكنيسة ومهدوا جدرانها وحينما ألم بهم الصبح نهضوا فى وجه الشرطة الملكية حالفين ومؤكدين أنها مبنية من سنوات وفيها تؤدى الصلاة وأمام إصرار المسلمون خارج الكنيسة والمسيحيون داخلها تم اعتمادها رسمياً حتى يومنا هذا أو تلك الأقصوصة مازالت متداولة فى قرية " نزة الحاجر" بجهينة السوهاجية وحينما زار هذه البلد قداسة البابا شنودة فى أوائل الثمانينات خرج الجميع يؤدون المحيا بعد أن افترشوا له الأرض سجاداً وهو مازال حياً يرزق ويشهد على ذلك.. إن أحداث قرية صول بأطفيح التى أتت على هدم الكنيسة لم يكن هذا طابعاً للإسلام ولم يكن النزاع طائفياً ولكن تدخل الشيطان لكى ينمو حجم هذه الفتنة ويترعرع بهذا القدر مما جعل القذافى – قاتل شعبه – يقول أنظروا إلى صول وأين الحرية ؟!.
إن طابع أهالى أطفيح من النظام القبلى وهناك مشكلات متعددة وخلافات سواء بين المسلمين وبعضهم وبين النصارى وبعضهم وازدادت الحدة حينما نشبت بين أهل الديانتين ودارت رحى الفتنة التى محاها الله – سبحانه وتعالى – وهجر بعض الأقباط ديارهم وتركوا أموالهم أمانة عند بعض المسلمين واستأمنوا المسلمين على أرضهم فسقاها لهم جيرانهم فلم تموت الزراعات ولم تبور الأرض وصول هى قرية من قرى مركز أطفيح السبع يعيش فيها المسلمين والمسيحيين جنبا إلى جنب منذ مئات السنين وما حدث ما هو إلا نظره حسود للمصريين أراد بها فتنة تقضى على الأخضر واليابس.
إن التاريخ هو المعلم وهو الناصح الأمين وفى عيد القيامة المجيد نتنسم العبير وعبق التاريخ ونشتم النسيم ونحتفل بعيد تحرير سيناء الحبيبة فى خضم احتفالات مصرية بدأت بعيد الشعانين حينما أهدى كل المسلمين عيدان السعف من قلوب النخيل التى لم تصير جريداً إلى إخوانهم المسيحيين .. بارك الله فى الأعياد وبارك الله فى المسلمين والمسيحيين ..
إن ما تشهده احتجاجات محافظة قنا ضد محافظها الجديد ليس للديانة فيه مسلك .. وقد تقبل القيناوية محافظاً مسيحياً هو اللواء مجدى أيوب الذى وضع فى أوليات اهتماماته تجميل مسجد سيدى عبد الرحيم القناوى واهتم بعيد قنا القومى وكان يدعو شيخ الأزهر ويصر على حضوره ليؤم المسلمين فى صلاة الجمعة وكان يضع اسمه فوق الدعوة.
إن المطب الصناعى الذى يشهد صراعاً فى مركز أبو قرقاص ليس للديانة فيه من نسيم إنما هو صراع ضد محامى أتى على قوائم الحزب الحاكم فى انتخاباته الأخيرة ولم يصلح من شأنه أمام أهله وعشيرته فقامت عليه الدنيا ولم تقعد.. إن ما يحدث لهى حوادث طبيعية ليست عقائدية أيها النافخون فى الكير.
إن ثورة 25 يناير خير شاهد على الوحدة القومية التى تربط بين المسلمين والمسيحيين، حيث احتشد كليهما مطالبين بالإصلاح والتغيير فكانا صفاً واحداً لا يهتز ولا ييأس ودافعا عن الثورة خير دفاع يشهد عليه التاريخ.
• نقيب المحامين ورئيس اتحاد المحامين العرب
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة