سمير يوسف البهى

لمجلس الدولة شعب يحميه

الأحد، 24 أبريل 2011 07:11 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى الماضى القريب، وفى ظل نظام بئيد، علا فى الأرض، مستحسنا ورجاله ما يفعلون، ظن بعضهم أنهم على رشدٍ حال أنهم فى ضلال شديد، كان مجلس الدولة هو الرقيب، لا قوى لديه ولا ضعيف، لم يرهب أحدا لقوته، ولم يستخف بحق أحد لضعف حيلته، فعظم بأحكامه الحرمات، وأماط الشبهات، ولم يحفل أمام التضحيات، وقام رجاله فى محرابهم بما لزم ضمائرهم من الانقطاع لفرائض العدل والصبر على المشاق، فبقى فى الساحة التى تتحدث عن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وكان صوته عاليا خفاقا، وكاد يكون صوت الحرية الوحيد البين، الذى يجأر بظلم النظام للشعب، فما كان من رجال النظام إلا أن خبأوا له المكائد، بعد أن عَموا وصموا عن الحق، وقال أنصار الحرية إنا نخاف على مجلس الدولة من كيد الكائدين، فقلنا إن لمجلس الدولة شعبا يحميه.

عتى رجال النظام واستكبروا، واتبعوا أهواءهم، فحرفوا الأحكام، ففريق كذبها وفريق أولها، فقال أنصار الحرية: إنا نخاف على مجلس الدولة من أولئك الذين يخاصمون بالباطل ويردون البراهين بالهوى، ويؤولون الأحكام بتأويلات باردة لتوافق أهواءهم، وأن هذه خطوة تتبعها خطوات نخشى معها على مجلس الدولة، قلنا لا تخافوا إن لمجلس الدولة شعبا يحميه.

ظلت أحكام مجلس الدولة تنطلق من المنهج الذى رسمه لنفسه، وفهمه العميق، والقائم على أن حرية وكرامة الشعب أمانة فى عنقه، لن يحيد عن الدفاع عنها، فقال أنصار الحرية إنا نخاف على مجلس الدولة، خاصة أن النظام يسعى إلى المباعدة بين الشعب ومجلس الدولة، بامتناعه عمدا ودون مبرر عن تخصيص أو إنشاء صروح تليق بمجلس الدولة، وأنه لا وجود سوى لثمانية محاكم لمجلس الدولة على مد أرض البلاد، وأن رجال مجلس الدولة يتجشمون كل مشاق ونصب ومحاداة فى سبيل أداء أمانته، قلنا لا تخافوا إن رجال مجلس الدولة لقادرون، بإذن الله، على أداء رسالتهم فى هذه الظروف، فمجلس الدولة له شعب يحميه .

واستمر مجلس الدولة مميزا بين الحق وأنواع الأباطيل، زاجرا كل زيف ينال من حرية الشعب وكرامته، وكانت أحكامه ذات لهب وشرر، تحرق كل من يحاول التغول على حقوق الشعب، فازداد خوف أصحاب المروءات على مجلس الدولة، سيما بعد أن رأوا أن أصحاب النظام السابق قد تصوروا أنهم خرقوا الأرض وبلغوا الجبال طولا، بعد أن مُلئت آذانهم وقرا، وبعد أن أظهر النظام أنه ضاق ذرعا بمجلس الدولة، وأيس من استجابته أو تغافله عن نزواته وتطلعاته، وعمد إلى إظهار مجلس الدولة بأنه، ولئن كان عدلا فى قضائه، إلا أنه عدل بطىء، فلا مقرات لرجاله لمباشرة عملهم ولتسهيل حق المواطن فى اللجوء إليه، وقلنا لأصحاب المروءات لا تخافوا إن لمجلس الدولة شعبا يحميه.

وازداد كفر رجال النظام بالعدالة والحرية والكرامة التى تنطق بها أحكام مجلس الدولة، فخرج النظام من عقال كل منطق وأظهروا ما كانوا يخبئونه من مكر بمجلس الدولة، فأطلق بعضا من رجاله لينادوا بأن دمج مجلس الدولة فى القضاء العادى أمر يحقق سرعة الفصل فى المنازعات، بحجة وجود مقرات للقضاء العادى، وصرخ الشعب، وقال كلا . لن يُدمج قضاء مستقل لا يخشى فى الحق لومة لائم ولا ظلم ظالم، فى قضاء يخضع- فى جل أموره – للسلطة التنفيذية وهيمنتها، وزأر الشعب وقال نحن نحمى مجلس الدولة، وسوف ننفذ أحكامه، سوف نقيم مبادئه على أرض الواقع، نطرد الطغاة، كانت الثورة المباركة.

وصدق ما كان يؤمن به الكثيرون، من أن مجلس الدولة له شعب يحميه، إلا أنه للأسف الشديد مازال للنظام السابق ذيول وأنياب، يخفى جانب منهم عن رجال النظام الحالى، وهم ولئن تعلموا الدرس، إلا أنهم لم يغفروا لمجلس الدولة أن أحكامه كانت الشرارة التى أحرقت رؤوس هذه الذيول، فبدأوا– ظنا منهم أن الشعب غافل عما يفعلون- بسحب جانب من اختصاصاته، سيما فى مجال الإفتاء، فى حين دعا بعضهم على استحياء وفى وجل إلى ما أسموه بتوحيد القضاء.

وللأسف الشديد وعلى الرغم من أن الليل قد عسعس وجاء الدكتور عصام شرف أحد من حملوا لواء الثورة، إلا أنه آلمنا ما صدر عنه من قرارات تحمل اعتداء صارخا على اختصاصات الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع.

وإذا كنا على يقين أن ذلك لم يكن معلوما لديه، فإننا ننتظر منه البدء فورا فى سحب مثل هذه القرارات، فهو ونحن نؤمن أن لمجلس الدولة شعبا يحميه، كما أننا على يقين فى أن قيامه بتخصيص عدد من مقار الحزب الوطنى لبعض الجهات دون مجلس الدولة لم يكن إلا لعدم إدراكه لحجم وعظم تلك المشكلة، وها نحن نقيم عليه الحجة ونقول له إن من وراء مجلس الدولة شعب يحميه، ونحن معه متأهبون لا إلى ميدان التحرير فحسب بل إلى سائر ميادين البلاد ضد كل من تسول له نفسه- الشريرة- التفكير فى الاعتداء على اختصاصات مجلس الدولة أو حرمان الشعب من تقريب قضائه إليه بتوفير ما يلزم لذلك من مقرات وأنه كما كان مجلس الدولة شمعة هادية فى فترة حالكة الظلمات، وكان لسان هذه الشمعة لا يهتز ولا يتأرجح، مهما هبت الريح عن يمين وعن شمال، حتى أيدها الله بنصره، واستمر نورها مضيئا، حتى بزغت شمس الحرية، إن مجلس الدولة سيظل غصنا باسقا فى شجرة الخلود، فإن لمجلس الدولة شعبا يحميه.

* نائب رئيس مجلس الدولة.





مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد خميس

نعم

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة