بعد أن اكتمل المشهد ووضحت الصورة، وجب علينا أن نحدد أين نحن الآن وإلى أى طريق يجب أن نتجه، بهذه البداية أستهل مقالى فالآن يجب أن نتوقف عن الكلام المباح والغير مباح ولنبدأ تحسس خطواتنا نحو التغيير الفعلى، ولأن الصورة للأسف تبدو ضبابية فإننى أوجه كلامى إلى إخوانى الشباب وأنا منهم فللأسف بعد الثورة اكتشفنا نحن الشباب أننا "محترفين سياسة " رغم أننا لم نُختبر إلا فى الثورة، والثورة فى نظرى حادث عرضى لا يحدث فى تاريخ الأمم كثيراً والثورة بمفهومها ومعناها توقف وتعطل كل ما هو سياسى لأنها تعمل خارج إطار السياسة .
وكلامى أيضاً موجه للكبار من السياسيين فالكبار الآن يتركون تحركاتهم مرهونة بموافقة الشباب وأحياناً يجعلون مواقفهم ردود أفعال لتحركات الشباب، والكارثة هنا أن مصر كدولة كبيرة توجد بها مؤسسات وإن كانت مهترئة بسبب ممارسات النظام السابق إلا أن هذه المؤسسات قادرة على القيام بسرعة، لأن هذا البلد يملك مقومات الدور والتأثير ناهيك أنه يملك مقومات بشرية قادرة على أن تعيده مكانه الصحيح، غير أن الإعلاميين وخصوصاً من كان ينافق النظام السابق أو حتى الذين لم تكن لهم رؤية واضحة أثناء الثورة هؤلاء أصبحوا الآن يوافقون ويؤيدون أى شىء يذهب إليه الشباب ، سواءَ كان حقاً أو باطلاً، فى وقته أو فى غير وقته، لدرجة أن بعض الإعلاميين يتطرف ويبالغ فى التأكيد على رصانة الرأى أو عمق الفكرة التى يطرحه أحد الائتلافات الشبابية التى ربما يصل عددها إلى عدد من شاركوا فى الثورة!
لا شك أن الشباب بعنفوانه وتطلعاته الثورية بحكم مرحلة النمو التى يمر بها يمكن أن يتم توجيههم وإدماجهم فى مؤسسات اجتماعية وأحزاب ولكن ليس المطلوب من الشباب أن يصنع سياسات هذا البلد، بإمكانه أن يشارك ويتدرج فى المشاركة إلى أن يصل لمرحلة النضج التى عندها يمكن أن يتسلم الزمام، بإمكان الشباب إن يطرح رأيه فى سياسة ما أو اسم ما فى حلقة نقاشية، لا أن يفرض هذا الرأى أو هذا الاسم من خلال "قوة الميدان " .
إننى أخوف ما أخاف عليه الأيام القادمة أن تكون الثورة المضادة ممن قاموا بالثورة بعد أن أصبحنا "مدمنين ثورات " ، فقد وجدنا مثلاً مجموعة تدعو إلى اعتصام ، والأخرى ترفض الاعتصام، ومجموعة أخرى ترفض تأييد د.مصطفى الفقى للجامعة العربية ، وأخرى تقول عفونا عنه لأنه اعتذر عن ارتباطه بالنظام السابق! وهكذا ، فمع كل حدث أو قرار ستجد من يوافق ومن يرفض وهذا طبيعى ، ولكن أن تتحول الموافقة إلى إعلان تأييد يستفزّ الرافضين ويبدءون فى تحويل رفضهم إلى اعتصام يعطّل الحياة ويضيع هيبة الدولة فهنا تكمن الخطورة.
إننى أعتقد أن ما يحدث الآن بمحافظة قنا من الأهالى - رغم مشروعية مطالبهم، لهو أكبر دليل على ما أقول فقد تجمع الآلاف فى وسط ميدان شهير بقنا واعتصموا فيما يشبه ميدان التحرير اعتراضاً على تعيين محافظ مسيحى للمحافظة للمرة الثالثة بالإضافة إلى قطع الطريق الصحراوى وتعطيل حركة القطارات لمدة 3 أيام ، وقنا تناوب عليها قبل ذلك على ما أذكر محافظين مسيحيين، ولم نسمع احتجاجاً واحداً فى السابق على هذا الأمر، ومثله ما يحدث فى حلوان و 6أكتوبر.، إذن لماذا الآن يحدث ذلك ؟ الإجابة ببساطة: لأن كل شخص منّا الآن يملك ما يظنه (ميدان تحريره)، والدولة أصبحت للأسف تدير فقط هذه الميادين، وللأسف اخشى أن تضيع هيبة الدولة مع امتلاك المصريين لقرارات الاعتصام فى أى وقت وفى أى مكان .
فان كنت تملك ميدان تحريرك فأرجوك لا تحوّله إلى نقمة بعد أن بدأنا نشعر بنعمة التحرير وأعلم أن ما حدث بفضل الله كثير جداً يحتاج منّا الحفاظ عليه ليكون نقطة انطلاق ، فقد انطلقنا من ميدان الأمل إلى ميدان التحرير فمتى ننطلق إلى ميدان العمل.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة