عيد شم النسيم من الأعياد التى يحتفل بها المسلمون والمسيحيون معاً، وهو يسمى لدى البعض بـ"عيد الربيع"، ويرجع الاحتفال لعهد الفراعنة، وصار بعد ذلك عيداً شعبياً يحتفل به أهل مصر، وهو العيد الوحيد الذى تنفرد به مصر عن غيرها من الدول العربية والإسلامية.
ومنذ القدم كانت أعياد الفراعنة ترتبط بالظواهر الفلكية وعلاقاتها بالطبيعة ومظاهر الحياة، ولذلك احتفلوا بعيد الربيع، وتذكر الروايات أن احتفال المصريين بعيد شم النسيم كان منذ خمسة آلاف عام، وأنهم أطلقوا على ذلك العيد اسم عيد "شموش"، أى بعث الحياة، وحرف هذا الاسم بعد ذلك فى العصر القبطى إلى اسم "شم"، وأضيفت إليه كلمة النسيم نسبة إلى نسمة الربيع.
وكان الفراعنة يحتفلون بعيد شم النسيم من خلال طقوس دينية، ثم تحول مع شروق الشمس إلى عيد شعبى تشترك فيه جميع طبقات الشعب، كما كان فرعون وكبار رجال الدولة يشاركون فى هذا العيد، وكانت مظاهر الاحتفال تتمثل فى الخروج إلى الحدائق والحقول والمنتزهات، وقد اعتادوا أن يحملوا معهم طعامهم وشرابهم ويقضوا يومهم ابتداء من شروق الشمس وحتى الغروب.
ولشم النسيم أطعمته الخاصة فى عهد الفراعنة وحتى عصرنا الحالى، وتشمل قائمة الطعام "البيض والفسيخ والبصل والخص والملانة"، ويعتبر البيض الملون مظهرا من مظاهر الاحتفال بعيد شم النسيم، وقد بدأ ظهور البيض على مائدة أعياد الربيع مع بداية العيد الفرعونى، أما فكرة نقش البيض وزخرفته فقد ارتبطت بعقيدة قديمة، إذ كان الفراعنة ينقشون على البيض الدعوات والأمنيات ويجمعونه ويعلقونه فى أشجار الحدائق حتى تتلقى أنوار الآلهة عند شروقه، وفق ما يعتقدون.
أما عادة تلوين البيض بمختلف الألوان فهو التقليد المتبع فى جميع أنحاء العالم، وقد تطورت تلك العادة إلى صباغة البيض بمختلف الألوان التى أصبحت الطابع المميز لأعياد شم النسيم والفصح والربيع حول العالم، وأول ما اخترع تجفيف وتمليح السمك هم الفراعنة وصناعة الفسيخ الذى لا يوجد سوى فى مصر فقط منذ أن اخترعه الفراعنة، وهم يعتقدون أن أكله مفيد فى وقت معين من السنة، لذلك كانوا يأكلون الفسيخ والملوحة فى أعيادهم.
وإذا كان هذا هو الاحتفال بعيد شم النسيم منذ الفراعنة فكيف يحتفل المصريون به الآن، وهل تغير كثيرا عما كان عليه منذ خمسة آلاف عام؟؟
"اليوم السابع" قامت بزيارة لبعض الأماكن التى يقوم الناس بشراء مستلزماتهم استعدادا للاحتفال بهذا اليوم، حيث كان الزحام شديدا جدا على محلات ومصانع بيع الرنجة والفسيخ الذى اعتاد المصريون شراءه كنوع من الاحتفال بهذا اليوم.
يقول محمود رزق وهو يقف فى أحد طوابير بيع الرنجة، تعودنا الاحتفال بهذا اليوم، لأنه يوم إجازة، حيث نذهب إلى أى الحدائق ونأخذ معنا البصل والليمون والرنجة، ودائما ما نقوم بشراء الرنجة، لأن سعرها أرخص من الفسيخ لأننى أحتاج حوالى 3 كيلو للأسرة كلها.
أما محسن عزت فيقول، أنا معتاد أن أشترى الرنجة لى ولزملائى فى العمل، ونذهب إلى أى مكان مفتوح، ونأخذ طعامنا معنا مثل القناطر أو أى حديقة أخرى نقضى اليوم مع الأولاد بعيدا عن الدراسة والعمل طوال العام ونعتبره يوماً للنزهة، ويكون فرصة للتنزه، وتناول أطعمة مختلفة عما نتناولها طوال العام، ولابد أن يكون الطعام يحتوى على الرنجة والفسيخ والبيض والبصل والليمون والملانة، وأحرص على شراء الفسيخ من الغربية، لأنها مشهورة بصناعته، ولكن لاحظنا هذا العام ارتفاع الأسعار عن العام الماضى، حيث إن سعر كيلو الرنجة من المصنع وصل إلى 21 جنيها بعد أن كان 16 جنيها فقط.
ويقول حمدى سلامة، أشترى 5 كيلو رنجة للأولاد والأقارب ونذهب إلى القناطر أو إلى حديقة الحيوان أو حديقة الأسماك حتى يكون فسحة للأولاد عن الدراسة طوال العام.
وأمام أحد محلات الفسيخ قابلنا محمد فهمى الذى قال تعود ت كل عام أن أشترى فسيخ من محل معين مضمون، لأنه نظيف وواثق فى بضاعته، حيث يقوم بتمليحه بطريقة صحيحة، ويستخدم أنواعاً جيدة من السمك، لذلك لا نخاف من تناوله، وأحيانا نذهب إلى أحد الحدائق للتنزه فيها أو أن نجلس فى المنزل، ولابد أن يكون الطعام يحتوى على الرنجة والفسيخ والسردين، وأسعار الفسيخ لم تتغير عن العام الماضى، حيث إن سعر كيلو الفسيخ حوالى 62 جنيها والفسيخ يصنع دائما من السمك البورى، أما كيلو الرنجة فهو بـ 26 جنيها، وهى مناسبة تحدث كل عام لذلك نحرص على الاحتفال بها. ولكن هل هناك إقبال على شراء هذه الأطعمة عن بقية العام وهل هى آمنة فى تناولها؟
يقول على الفسخانى، نحن نقوم بعمل الفسيخ بأنفسنا بعد إحضار السمك البورى من كفر الشيخ، حيث تشتهر بصنع الفسيخ، ونحن نستخدم الملح فقط دون استخدام أى مواد حافظة، وهناك ثلاثة أنواع من الفسيخ وهو النوع الذى يتميز بالملح الزائد ونوع آخر خفيف الملح، أما النوع الثالث فهو الوسط، ولكن كل هذه الأنواع تصنع من السمك البورى.
أما محمود الألفطى، صاحب أحد مصانع الرنجة، فيقول إن هذا العام ورغم الظروف التى مرت بها مصر، إلا أن الإقبال مثل العام الماضى، ولكن هذه الظروف أثرت فقط على الأسعار التى ارتفعت بعض الشىء، حيث كان الاستيراد أقل عن الأعوام السابقة، حيث يتم استيراد السمك من هولندا فلم يتم استيراد الكميات التى نطلبها كل عام، وبالتالى حدث ارتفاع فى الأسعار، والرنجة هى أكلة تعود المصريين على تناولها فى شم النسيم، خاصة أن الفسيخ والسردين يخاف البعض من تناوله، لذلك الإقبال عليها أكثر، لأنها مضمونة وفى نفس الوقت سعرها أقل من سعر الفسيخ، لذلك الزحام يكون شديدا جدا، مما يؤدى إلى صعوبة فى حركة المرور والبيع فى موسم شم النسيم يكون عشرة أضعاف أيام السنة والسمك المستخدم فى صنع الرنجة هو السمك "الهرنج الهولندى"، وهو النوع الوحيد المستخدم فى صنع الرنجة وهذه السمكة من مميزاتها أنها تكون بدون قشور ونسبة الدسم فيها عالية ولونها ذهبى، ويوجد فيها بطارخ بكثرة ويتم صنع الرنجة بالتمليح والتدخين، لذلك لا يتم استعمال مواد حافظة أثناء الصنع، ويتم التدخين باستخدام نشارة خشب الموالح وهى مواد غير ضارة على الإطلاق.
أما عن رأى الأطباء والمحاذير التى يجب اتباعها لتجنب الأضرار الناتجة عن تناول الفسيخ والرنجة والأسماك المملحة عموما، يقول الدكتور حسين عبد الحميد، أستاذ الجهاز الهضمى والكبد رئيس الرابطة الأفريقية الشرق أوسطية للجهاز الهضمى، أنا ضد تنغيص حياة الناس وحرمانهم من مأكولاتهم المحببة، بدعوى أنها ضارة، فجميع شعوب العالم تتناول أغذية خاصة بها فى أعيادهم القومية والدينية والشعب المصرى له عادات غذائية معينة فى عيد شم النسيم، وهى لا تلحق الضرر بالشخص السليم الخالى من الأمراض، ولكن نحن نحدد بعض الحالات المرضية التى يتم تشخيصها بدقة بعدم تناول الأسماك المملحة من الرنجة والفسيخ وغيرها مثل مرضى الفشل الكبدى ومرضى ارتفاع الضغط ومرضى هبوط القلب.
كما تشمل القائمة أيضا بعض حالات الحساسية وتورم القدمين، ويرجع هذا إلى وجود نسبة من الملح "كلوريد الصوديوم" فى هذه الأغذية، مما يسبب ضررا كبيرا لهؤلاء المرضى، أما فى حالة مرضى الكبد وبالذات أن الأسماك تحتوى على بروتين وهو يساعد فى حدوث الغيبوبة الكبدية لارتفاع نسبة الأمونيا فى الدم بعد تناول هذه الأغذية، ولكنه مقصور فقط على مرضى الفشل الكبدى، ولا يمتد إلى أمراض الكبد المتكافئة، ففى حالة الإصابة بفيروس "سى" على سبيل المثال يستطيع المريض أن يتناول ما يشاء من الأطعمة، إذا كان حالة الكبد متكافئة وحالته العامة مستقرة ولا يعانى غيبوبة كبدية متكررة أو استسقاء فى البطن.
وهناك محاذير أخرى عند تناول هذه الأطعمة لا تتعلق بالمريض نفسه بقدر ما تتعلق بسلامة الطعام وطريقة تعبئته وإعداده وهنا لابد من التنويه إلى أن بعض أنواع الفسيخ التى يتم تصنيعها بطريقة بدائية ربما تؤدى إلى تكاثر بعض أنواع الجراثيم الخطرة، مما يؤدى للإصابة بالتسمم وهذا لا ينطبق بالطبع على المحلات أو الأماكن الموثوق فيها.
ويحذر من الإكثار من تناول هذه المأكولات بكثرة حتى بالنسبة للأشخاص الذين لا يعانون من الأمراض.
أما الدكتور سعيد شلبى، أستاذ الباطنة والكبد رئيس قسم الطب التكميلى بالمركز القومى للبحوث، فيقول: "إن الطريقة البائية التى يصنع بها الفسيخ تعرضه للتلوث، حيث إن الفسيخ لابد أن يترك فى الهواء الطلق لمدة 48 ساعة حتى يحدث له تحلل فى أنسجة السمكة، وهو ما يسمى بعملية التفسخ وفى هذه الأثناء يأتى الذباب ويقف على السمك، مما يحمل فى أقدامه بعض البكتيريا، ويؤدى إلى تلوث السمك بالبكتيريا من خلال الذباب، وأحيانا يحدث للأسماك أثناء تعرضه للهواء انتقال ميكروب يسمى "الكولسيريديم بوتيولينم"، وهذا الميكروب من أخطر ما يمكن لأنه يصيب الجهاز العصبى بالشلل، وممكن أن يؤدى إلى الوفاة وهو ينتقل عبر الأتربة المحملة بروث الخيول الجافة والتى تكون على الأرض ضمن الأتربة وإذا ما تعرض السمك أثناء تفسخه على الأرض بهذه الأتربة يتلوث بهذا الميكروب.
كما أن الأسماك يجب أن يتم تمليحها لفترة كافية وهذا لا يحدث فى موسم شم النسيم أثناء الإقبال الشديد على الفسيخ، مما يضطر البائع لبيعة قبل مضى الفترة الكافية لبقائه فى الملح التى تؤدى لقتل الطفيليات، ولتجنب كل هذه المخاطر يجب التأكد من شراء الفسيخ من مصادر آمنة ونظيفة، وأن تكون عملية التفسخ قد تمت فى ثلاجات خاصة بعيدا عن الذباب والأتربة، وأن يتم صنع الفسيخ فى براميل خشبية وليس فى صفائح مغلقة، حتى لا تتوافر البيئة اللاهوائية والتى تساعد على تكاثر البكتيريا، أما الرنجة فيجب أن تحفظ فى درجة حرارة – 18 درجة مئوية بعد إنتاجها مباشرة، وهنا تكون صالحة للاستخدام لمدة 5 أشهر فقط، أما المعرضة للهواء فيجب استهلاكها خلال أسبوعين من إنتاجها فقط وإلا تعتبر فاسدة.
وينصح مرضى السكر بأخذ قطعة واحدة صغيرة فقط من السمك المملح، وأن يصاحبها تناول البصل الأخضر، لأنه يحتوى على مادة تشبه الأنسولين وهذا يفيد مرضى السكر، لأن تناول الخبز بكميات كبيرة مع الفسيخ يؤدى إلى ارتفاع نسبة السكر فى الدم ويعمل البصل على خفض هذه النسبة بالنسبة للشخص السليم، فيفضل تناول الخضروات مع هذه الأطعمة لأنها تقوم بامتصاص الملح الزائد وتخلص الإنسان منه.
أما عن المشروبات التى يفضل تناولها بعد هذه الوجبات فينصح الدكتور شلبى بتناول الينسون والتمر هندى، لأنهما من المشروبات التى تعمل على سرعة الهضم وتحسين حركة الجهاز الهضمى والتخلص من العطش.
المصريون يحتفلون بعيد شم النسيم بالبيض الملون منذ خمسة آلاف عام.. وإقبال كبير على تناول الفسيخ رغم وصول سعره لـ 62 جنيهاًَ والرنجة 26 للكيلو.. والأطباء يحذرون من تناولهما
الأحد، 24 أبريل 2011 12:35 م
احتفالات شم النسيم
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة