حين بحثت عن المهام الوظيفية التى يضطلع بها المحافظ فى محافظته لم أجد بين تلك المهام والواجبات أن يقوم المحافظ بإمامة المسلمين فى الصلاة. أو أن يخطب فيهم الجمعة. أو أن يرأس بعثة الحج فى محافظته.. وأن كل ما يجب أن يقوم به كل محافظ فى محافظته هو أن يسهر على توفير الخدمات لمواطنيه، وأن يحل أى مشكلة تعترض حياتهم اليومية. كما أنه ليس من شروط تولى الشخص منصب المحافظ أن يكون مسلم الديانة أو عضوا فى الجماعة السلفية أو منضما للإخوان المسلمين.
يكفى فقط أن يتمتع بالجنسية المصرية وأن يكون حسن السير والسلوك. لم تصدر بحقه أى أحكام مخلة بالأمانة والشرف. يستوى فى تلك الشروط جميع الأشخاص مسلمين أو مسيحيين. فما الذى دفع إذن أهالى قنا للتظاهر والاعتصام احتجاجا على تولى اللواء عماد ميخائيل منصب المحافظ عندهم رغم تمتعه بكافة الشروط التى تؤهله لتولى هذا المنصب الذى يغلب عليه الطابع التنفيذى ليس إلا؟ّ
هل جاء احتجاج الأهالى على المحافظ لأنه مسيحى؟ أم لأنه ينتمى إلى جهاز الشرطة فى وقت لم تسترد فيه الشرطة بعد شيئا من سمعتها المأمولة؟
بالسؤال والبحث تبين لى أن الاحتجاج الذى أبداه الأهالى على اللواء ميخائيل ليس لأى سبب مما ذكرت، ولكنه جاء بسبب أنه المحافظ المسيحى الثانى على التوالى الذى يقع عليه اختيار الحكومة ليتولى منصبه فى قنا. وكأن قنا هى المحافظة الوحيدة التى لا يصلح لها سوى محافظ مسيحى. سواء كان ذلك فى عهد حكومة فاسدة أو حكومة ثورية. وقد تجاهلت الحكومة الثورية الفشل الذى لحق بالمحافظ المسيحى السابق الذى عينته الحكومة الفاسدة. وهو الفشل الذى جعل المسيحيين من أهالى قنا يحتجون ضد محافظهم المسيحى حتى وصل الأمر إلى حد تبادل السباب والاتهامات بين هذا المحافظ والسيدة جورجيت قللينى النائبة السابقة فى مجلس الشعب والتى اتهمته صراحة بالتواطؤ والتدليس فى حادث كنيسة نجع حمادى الذى وقع فى بداية العام الماضى.
وقد عم الفرح أهالى قنا المسيحيين قبل المسلمين حين جاءهم قرار الحكومة بخلع هذا المحافظ الذى شهدت المحافظة فى عهده أبشع الجرائم الطائفية طوال تاريخها، ولكن فى غمرة الشعور بالفرح فاجأتهم الحكومة الثورية بمحافظ جديد توجسوا أن يعيدهم إلى نفس التجربة المرة مع محافظهم القديم. فكان طبيعيا أن يرفضوا المحافظ الجديد الذى جاءهم لنفس الأسباب التى جاءهم بها المحافظ المخلوع. فخافوا أن يكرروا معه طعم العلقم الذى ذاقوه سابقا ... لا فرق إذن بين حكومة ثورية وحكومة فاسدة طالما ظلت كل حكومة تعتمد منهجا واحدا فى التفكير وأسلوبا متشابها فى الحكم، وهو الأسلوب الذى يعتمد على فرض الأمر الواقع دون وضع الظروف المحيطة فى الاعتبار ودون حساب لمشاعر المواطنين، أو التفكير فيهم كطرف أساسى فى المعادلة. فإذا كان لتعيين محافظ مسيحى أى ميزة، فلماذا نخص بها محافظة قنا وأهلها فقط، أما إذا كان ذلك من المساوئ فلماذا أيضا نخص قنا بتلك المساوئ وحدها؟!
لقد كان خطأ منذ البداية أن يقع الاختيار على محافظة فى صعيد مصر لتعيين محافظ مسيحى لها. فالصعيد هو أكثر البيئات تعصبا فى مصر. فهو مجتمع يقوم على العصبيات والقبلية. وفى مجتمع كهذا يصعب تقبل الآخر حتى وإن كان من نفس الملة.. فهو صعب التواصل بين الأفراد فى داخله فما بالك بمن يأتون من خارجه.. لأنه مجتمع مغلق يتسم أفراده بالحذر واتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة فى تعامله مع الغرباء، وقد ظهر ذلك كله مع المحافظ السابق لقنا فكان من الخطأ على حكومة الثورة أن تكرر أخطاء سابقة كان من الطبيعى أن تقوم بها حكومة مستبدة وفاسدة، وإذا كان ولا بد من تعيين محافظ مسيحى فكان يمكن تعيينه فى إحدى المحافظات الساحلية التى تتميز بالتعددية والتنوع. واعتياد التعامل مع الآخرين لانعدم القبلية وقلة الشعور بالتعصب العرقى أو الدينى بين مواطنيها لأنها مجتمعات نشأت على الاختلاط والانفتاح.
أخيرا.. لقد جاء تعيين المحافظين الجدد دليلا آخر على أن الأمر لم يتغير وأننا لا نزال نقع فى نفس الأخطاء. وأولها القرارات الفوقية التى تنزل على رءوس الناس نزول الصاعقة وكأنهم لم يقوموا بثورة ولم يطالبوا بالتغيير منهجا وتفكيرا!!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة