تجتاز مصرنا الحبيبة فى هذه الأيام مرحلة دقيقة من تاريخها, مرحلة يمكنننا أن نطلق عليها "مخاض ما قبل الولادة", وهذا المخاض حتماً سيسفر عن مولود جديد نتمنى أن يكون قوياً ومتحضراً ومواكباً لقيم الحداثة والرقى والتقدم.
والمتأمل فى حياة السيد المسيح وتعاليمه وموته وقيامته يدرك أنه كان شخصاً ثورياً فى كل حياته, ثار على الظلم والفساد, وثار على استغلال الإنسان لأخيه الإنسان باسم الدين, وثار ثورة عارمة على العبادة الشكلية والتدين المزيف, ودعا السيد المسيح إلى حياة الحرية من قيود الجهل والتعصب والمرض، ولأجل هذا قاومه الأعداء ورجال الدين المتزمتين فصلبوه وقتلوه, لقد مات السيد المسيح ولم يكن من المنطقى أن يستمر مائتاً، وهو الذى قال عن نفسه أنا هو القيامة والحياة, فهل يمكن لقبضة الموت أن تمسك بمن قال عن نفسه أنا هو الحياة؟!! وهل يمكن لظلمة القبر أن تحجب من قال عن نفسه أنا هو نور العالم؟!!
لقد قام المسيح وبقيامته انتصر الحق على الباطل, والخير على الشر, والحب على الكراهية, والسلام على الخصام. وقيامة السيد المسيح هى دعوة للتحرير, فهو الذى قال (إن حرركم المسيح فبالحقيقة تكونون أحراراً).إنه جاء ليحرر الإنسان من خطاياه ومن تعصبه وجهله وعنصريته وكراهيته ورفضه لأخيه فى الإنسانية, وإذا كانت قيامة المسيح لتحريرنا وخلاصنا من الشرور والخطايا والآثام, لذا فليس من المنطقى أن يحتفل الكثيرون بقيامته وهم لايزالون موتى فى قبور الخطايا والآثام!!
إن قيامته دعوة لنا لأن نتحرر من قبور الكسل والتراخى لنقوم ونعمل معاً بجد واجتهاد من أجل بناء بلدنا الحبيب مصر, فإذا كانت مصر استطاعت بحكمتها ودبلوماسيتها أن تحرر أرضها من الاحتلال والاغتصاب, فهى فى مسيس الحاجة اليوم لأن تقوم بتحرير آخر لايقل أهمية عن تحرير الأرض, ألا وهو تحرير العقل, وإن كانت هناك عدة أمراض يحتاج العقل المصرى لأن يتحرر منها إلا أننى هنا سأكتفى بذكر مرضين هما أُس الداء وسبب البلاء ألا وهما: التعصب والخرافة, وأعتقد أن العلاج من هذين المرضين سيترتب عليه علاج أمراض عديدة, فمما لا شك فيه أن هناك فريقاً من المصريين سيطر على عقولهم التعصب والظلامية, ومن ثم رفضوا كل آخر مغاير لهم سواء فى الدين أو العقيدة أو المذهب أو الجنس, ومن المؤسف أن هذا الفريق الداعى للظلامية توغل فى معظم مؤسسات المجتمع والنقابات المختلفة, ألسنا فى حاجة ماسة وملحة إلى تحرير العقول والأذهان من الفكر الظلامي, فكر القرون الوسطى ومحاكم التفتيش!!
ولا يختلف اثنان على سيطرة الفكر الخرافى على عدد غير قليل من المصريين, ومن ثم نجد انتشاراً ملحوظاً للدجل والشعوذة, وانتشرت بكثرة فضائيات تفسير الأحلام, وفضائيات تغييب العقل, لقد غاب المنهج العلمى فى التفكير عند الكثيرين باستثناء أقلية قليلة, ألسنا فى حاجة إلى قيامة؟!! ألسنا فى حاجة لأن نتحرر من عقلية الدجل وذهنية الخرافة؟!! إن العلاج من هذين المرضين التعصب والخرافة يحتاج إلى أن يتكاتف مثقفو مصر ومفكروها وعلماؤها ليقوموا بعملية التحرير التى قد تستغقرق سنوات طوال, وهنا لا مجال للتباطؤ أو التسويف, فالوقت منذ الآن مقصر, ولا يجوز أبداً أن يقف العلماء والمثقفون موقف المتفرج أو المحايد, فالعقل المصرى اليوم أصبح فى أمس ما يكون إلى قيامة وتحرير من أى وقت مضى, ولعله من المناسب هنا أن أذكر كلمات دانتى ( إن أشد الأماكن حرارة فى جهنم محجوز للذين يقفون على الحياد فى أوقات الأزمات ).
راعى الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف – شبرا مصر .*
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة