وسط تصاعد الأحداث التى تهدد الثورة المصرية سواء بعض التوترات الطائفية أو احتجاجات مواطنى العديد من المحافظات ضد المحافظين الجدد بقايا النظام البائد، يسارع بعض النشطاء السياسيين والحقوقيين الليبراليين واليساريين لتشكيل لجان موازية لصياغة دستور جديد يعبرعن أقلية فشلت فى إقناع الشعب برؤيتها رغم امتلاكها لغالبية الفضائيات والصحف، فأرادت أن تفرض رؤيتها من جديد قفزا على نتيجة الاستفتاء وما أسفرت عنه من أغلبية (78%) تمتلك رؤية مختلفة للوصول إلى الدستور الجديد عبر هيئة تأسيسية منتخبة من قبل مجلسى الشعب والشورى المقبلين واللذين سينتخبان أيضا فى أول انتخابات نزيهة تشهدها مصرمنذ أكثر من 60 عاما.
من حق كل مواطن عرض رؤاه وتصوراته لمبادئ الدستور الجديد سواء فى ندوات ومؤتمرات أو عبر الصحف والفضائيات، لكن تشكيل لجان موازية سواء تمت فى شكل شعبى مثل تلك التى تعقد لقاءاتها فى نقابة الصحفيين أو رسمية دعا إليها الدكتور يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء، وسيضم فيها شلته كالعادة هى بالنتيجة انقلاب تنفذه الأقلية وإن تنوعت مشاربها على إرادة الأغلبية، وهى اغتصاب لسلطة هيئة تأسيسية لا تزال جنينية فى رحم الشعب المصرى ستولد خلال عام على الأكثر، وهذا ما حرصت على تسجيله خلال مداخلتى فى ندوة نقابة الصحفيين، وإن أغضب غالبية المشاركين منى ودفع أحدهم ليطالبنى بمغادرة المكان لولا أننى "صاحب دار".
تسابق الأقلية الليبرالية واليسارية الزمن لخلق وقائع على الأرض لقطع الطريق أمام استحقاقات الاستفتاء الدستورى، وربما لمنع خصمها الأساسى وهو التيار الإسلامى من الوصول إلى صناديق الانتخابات التى يعرفون هم حظهم منها.
لم يتوقف شطط هذه الأقلية عند حدود التحرك لصياغة دستور جديد، بل دعا كبيرهم وهو فقيه دستورى إلى إقرار الدستور الجديد قبل الانتخابات النيابية المقبلة فى تحد واضح للإعلان الدستورى والتعديلات التى أقرها الشعب والتى وصفها سيادته بـ "الكلام الفارغ" رغم أنه سبق له تأييد ما هو أقل منها فى آخر أيام مبارك، واشتط آخر ليطالب بسرعة إعداد وثيقة الدستور حتى تعرض على الشعب مع الوثيقة الأخرى التى ستنجزها الهيئة التأسيسية الشرعية، أى أن الشعب عليه أن يختار إحدى الوثيقتين، وهو أمر لم نشهده فى أى دولة ديمقراطية، ولا حتى فى كتابات المفكرين والفلاسفة، صاحب كل ما سبق حديث متكرر حول استبداد الأغلبية، وهو حديث يناقض أبسط قواعد الديمقراطية التى يتغنى بها هؤلاء النشطاء، والتى تلزمهم باحترام الأغلبية لا القفز عليها ولا التهكم والسخرية منها كما تكرر أيضا فى الندوة، كما صاحب ذلك أيضا حديث غاضب عن ضرورة إلغاء أو إعادة النظر فى المادة الثانية من الدستور الخاصة بالشريعة وهى "مربط الفرس" كما يقال.
أتفهم مخاوف هذه التيارات السياسية من الصندوق الانتخابى الذى كشفها مرات ومرات، وأتفهم قلقها من بروز الإسلاميين بقوة على الساحة، لكن عليها أن تفهم أن هذه هى طبيعة العملية السياسية، وعليها أن تهتم بتطوير قدراتها والاستعداد للانتخابات المقبلة بدلا من تركيز كل جهدها على تشويه خصومها، وحبك المؤامرات لسرقة حقوق ليست لها، فربما تتمكن من تحسين تمثيلها البرلمانى الذى يمكنها من طرح رؤاها عبر القنوات البرلمانية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة