يجب أن نعترف، أن حالة الحراك الفكرى والسياسى الذى نشهده الآن فى مصر ما كان ليوجد لولا الثورة، التى قامت فى 25 يناير. هذا الحراك بدأ مع انطلاق الثورة وأثنائها ومستمر حتى الآن وبالتأكيد مستقبلا. الحراك شارك فيه جميع فئات الشعب وجميع أطيافه الدينية والسياسية، الحالة التى تدعم ما أقوله عن حالة الحراك و درجة شدته، هى موضوع الاستفتاء على التعديلات الدستورية، حدثت المناقشات بين الذين يوافقون على التعديلات وبين المعارضين لها الكل شاهد وسمع على القنوات الفضائية والصحافة حجج كل فريق وبصراحة كان لكل فريق حججه الوجيهة. هذه الحالة من الحراك الفكرى والسياسى أشعرتنى بالسعادة وغمرت قلبى بالحبور وجعلتنى متفائلا للمستقبل، لأننا أفتقدنا منذ عقود مضت مثل هذا النقاش الحميد، أما الشىء الذى جعلنى من أسعد الناس بل وأكثر تفاؤلا بنجاح الثورة هو انتقال حالة النقاش والجدل السياسى على التعديلات الدستورية من عالم النخبة والفضائيات إلى عالم الشارع والعامية أمثالى، فلا نجد أسرة إلا والجدل محتدم بين أفرادها فى الفترة التى سبقت عملية الاستفتاء ما بين مؤيد ومعارض للتعديلات بل وقد وصلت حالة النقاش داخل العمل ومع الأصدقاء ونتيجة لهذا الحراك الدائر حدثت حالة من الانفتاح الفكرى مما سبب سعادتى، لا شك أن الثورة قد نجحت فى إحداث هذا الحراك و غيرت الكثير من المفاهيم والعادات إلا أن النجاح لم يكن نجاحا كاملا مطلقا، وذلك بسبب الدعوات التى انطلقت من قيادات كنسية تدعو الإخوة الأقباط بالتصويت ضد التعديلات الدستورية وحدث أن استثمرت بعض الجهات والجماعات الإسلامية ودعت المسلمين إلى التصويت لتأييد التعديلات الدستورية وجعلته فرضا وواجبا دينيا.. كلا الدعوتين المسيحية والإسلامية انطلقت من أرضية طائفية دينية، وصار من يقول نعم، مدافعا عن الإسلام ومن يقول، لا مدافعا عن المسيحية، وبذلك خرجت الدعوتان على غير أرضية وطنية سياسية وهذا ما أقلقنى لأن الأمور السياسية والحياتية، هى أمر اجتهادى لا يصح فيه فتاوى تأمر الناس فيها بالتصويت بـ"لا أو نعم" ولكننا نرتضى فتاوى تحث الناس على الذهاب إلى صناديق الاقتراع والادلاء بأصواتهم.
ذهبت إلى العديد من مراكز الاقتراع فرأيت إقبالا شديدا على التصويت وذلك لأنهم شعروا بأهمية أصواتهم وأنها ذات قيمة وفى نفس الوقت صارت أمانة، ولكن للأسف كان جزءا لا يستهان به من الذين ذهبوا للإدلاء بأصواتهم من المسلمين والمسيحيين وأعطوا أصواتهم لـ( نعم أو لا ) ذهبوا للتصويت من أرضية طائفية و ليست وطنية! وقد استثمر أنصار نعم أن الغالبية من المسيحيين صوتت بـ"لا" ،مما جعلهم يستنفرون المسلمين من أجل التصويت بنعم، دائما ما أردد بأنه يجب على الكنيسة المصرية أن تنأى بنفسها عن الاشتغال بالعمل السياسى وأطالبهم بأن ينتبهوا للعمل الدينى واللاهوتى انطلاقا من مقولة( دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر) كما أطالب بعض الدعاة والشيوخ المسلمين، بعدم إصدار فتاوى تتجه لمصلحة شخص معين أو جهة معينة، حتى لا يحدث التباس عند الناس لأن السياسة اجتهاد، ولكل له وجهة نظره المحترمة.
لا أنكر أننا نجحنا فى امتحان الديمقراطية ولكن بدور ثان فالملحق الذى رسبنا فيه هو حالة الاحتقان الطائفى الذى ساد عقودا من الزمن والذى أججته الأنظمة البائدة وظهر جليا أثناء الاستفتاء و لن ننجح فى إزالته إلا إذا عرفنا قيم الديمقراطية وآمنا بها، فى النهاية أستطيع القول بأن التجربة الديمقراطية لا تزال فى بدايتها وأن الحرية قد جاءت بعد عقود من التعتيم و سياسة تكميم الأفواه و تأميمها. نهاية لا أنكر أن ما يحدث من حراك نشهده هذه الأيام ما هو إلا دليل على أننا وضعنا أقدامنا نحو الخطوة الأولى نحو طريق الديمقراطية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة