د.أنور مغيث

الدولة المدنية والدولة العلمانية.. هل هناك فرق؟

الجمعة، 22 أبريل 2011 08:46 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى أحد البرامج التليفزيونية تحدث الضيف عن المواصفات التى نريدها للدولة المصرية فى المرحلة المقبلة، فذكر مساواة الجميع أمام القانون، وعدم التمييز بين رجل وامرأة أو مسلم وقبطى، ثم اختتم حديثه قائلا: "نريد دولة علمانية". وهنا صاح المحيطون به بمن فيهم مذيعة البرنامج.. لا، بلاش علمانية، نسميها دولة مدنية.

وانتظرت أن يتطوع أى شخص من الموجودين ليشرح لنا الفارق بين المصطلحين، ولكن دون جدوى. وذلك لأنه فى الحقيقة لا يوجد أى فرق بين الدولة العلمانية والدولة المدنية. لماذا إذن يميل الناس إلى استخدام مصطلح الدولة المدنية أكثر من مصطلح العلمانية؟ يرجع ذلك فى رأيى لسببين: أولهما حملات التشويه الفكرى على مدى أكثر من نصف قرن على يد أنصار التسلط الدينى، والثانى هو أن مصطلح الدولة المدنية، فى استخدامنا المصرى له، فضفاض ومشوش مما يسمح بالتضليل والتلاعب.

العلمانية فلسفة فى الحكم تسعى للحفاظ على وحدة الدولة مهما تعددت أديان المواطنين ومرجعياتهم الثقافية. وكان الفيلسوف الإنجليزى جون لوك، واضع أسس العلمانية فى القرن السابع عشر، يرى أن وظيفة الدولة هى رعاية مصالح المواطنين الدنيوية، أما الدين فيسعى إلى خلاص النفوس فى الآخرة. فالدولة لا تستطيع بما تملك من وسائل وهى القانون وقوة السلاح أن تضمن لمواطنيها نجاتهم فى الآخرة، وبالتالى ليس من حقها أن تجبرهم على الصلاة. وكان جون لوك فيلسوفا متدينا أراد أن ينقذ الدين من تلاعب السلطة به واستخدامه لأغراضها. ورأى أن انحياز الدولة لدين معين يشجع على النفاق والتدين الشكلى، فضلا عن أنه يهدد وحدة الدولة والتعايش السلمى بين المواطنين.

ومن هنا فالعلمانية لا تعادى الدين، هى فقط تمنع استخدام الدولة له لتبرير سياساتها، وهى تكفل لجميع المواطنين، على اختلاف أديانهم، حرية العبادة، ولهذا فهى المبدأ الذى يتمسك به أفراد الجاليات المسلمة فى أوروبا للدفاع عن حقوقهم فى المواطنة الكاملة وفى أداء شعائرهم الدينية، ولهذا فهى دائما ما تكون موضوعاً لعداء من يريد أن يتسلط على الناس ويسلبهم حرياتهم باسم الدين، وهذا يفسر الهجوم الذى لاقته ومازالت تلاقيه من تيارات الإسلام السياسى.

ولم تعد العلمانية نظاماً غربياً، بل أصبحت هى مبدأ الحكم الحديث فى سائر أرجاء العالم. فالدولة علمانية فى اليابان والصين والهند وتركيا وأمريكا اللاتينية. ويمكن بالطبع أن نلاحظ تنوعا بين الدول فى تطبيق العلمانية وفى سبل التوصل إليه، ولكنها تنتهى جميعا إلى الاتفاق حول ملمحين أساسيين: يحكم الدولة القانون الوضعى العقلانى وليس شريعة سماوية، وعدم التمييز بين المواطنين. وهذه هى دولة المدنية، المواطنة الحديثة.

نلاحظ فى الجدل السياسى الدائر فى مصر حاليا، إجماعاً من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار على شعار الدولة المدنية. والأمر هنا يدعو إلى القلق أكثر مما يدعو إلى الاطمئنان، ويعبر عن هذا القلق التصريحات الغريبة التى نسمعها تقال تحت بند الدولة المدنية، فأحد أقطاب الإخوان قال نريد دولة مدنية تطبق الشريعة الاسلامية!! وهذا تناقض صارخ فى المصطلح، فحياد الدولة فى المسائل الدينية ينبغى أن ينزع من القانون أى مزاعم فى كونه مقدساً أو تطبيقا لشريعة دين معين.

وقال أحد الدعاة إن الدولة المدنية التى يدعو إليها الإسلام هى دولة التسامح فيطبق على المسلمين شريعتهم ولا نلزم بها المسيحيين، لأن لهم شرعاً مختلفاً، وهو ما يعصف بوحدة الدولة. وأحد السلفيين قال بأن السلفية مع الدولة المدنية، ولكن لا يجوز أن يتولى رئاسة الجمهورية مسيحى أو امرأة، لأنه لا ولاية لذمى على مسلم ولا ولاية لامرأة على رجل. ولا ندرى أين المدنية هنا إذا كنا ننطلق أصلاً من التمييز بين المواطنين.

وهكذا نلاحظ أن مصطلح الدولة المدنية عندنا تعبير فضفاض يجعلونه يحمل الشىء ونقيضه، بل ويجعلونه يحمل كل ما يهدم مبدأ الدواة المدنية من أساسه.

الدولة العلمانية والدولة المدنية هما شىء واحد، يقوم كما قلنا على أساسين: القانون الوضعى وعدم التمييز بين المواطنين. وهى بذلك تكون الدولة التى تستجيب لشروط العصر وتستطيع الالتزام بالمواثيق والمعاهدات الدولية فى الحقوق، والتى تجد الدول نفسها مضطرة للموافقة عليها تحت ضغط تقدم مسيرة البشر للحصول على حرياتهم.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

karim

مقال رائع جدا

مقال رائع جدا

عدد الردود 0

بواسطة:

فارس

الزمن كفيل

عدد الردود 0

بواسطة:

ياسر

ليه ما يكون علمانية

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد رضا

يعني إيه دولة إسلامية

عدد الردود 0

بواسطة:

مصرية

شكرا مقال رائع

عدد الردود 0

بواسطة:

م/كامل أبوالليـــــــــــف

لا حاجة لنا للعلمانية

عدد الردود 0

بواسطة:

م/كامل أبوالليـــــــــــف

حاجة لنا اذن للعلمانية

عدد الردود 0

بواسطة:

أميرة

تسلم إيدك

تسلم إيديك - شكرا لمقالك التنويري الرائع

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد حماده

ماذا تريدون اكثر من ذلك؟

عدد الردود 0

بواسطة:

احمد المختار

الشعب يريد الديمقراطية ... الشعب يريد الدولة المدنية

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة