هدأت النفوس وارتاحت الأعصاب بعد إحالة رؤوس النظام الفاسد إلي جهات التحقيق لنرى بأعيننا فى لحظة تاريخية فارقة، رجالا كنا نعدهم من الأخيار وقد أحالهم النائب العام بجريمتهم النكراء إلى محكمة الجنايات، ليقفوا أمام العدالة بتهم متباينة أبرزها إصدار أوامر مباشرة من أعلى سلطة فى الدولة قبل الإطاحة به إلى وزير داخلتيه قبل تشريفه وعدد من وزراء الحقبة البائسة جمهورية ليمان طرة ـ نزل المزرعة ـ وكانت الأوامر الصادرة له إنما هى إطلاق النار على ثوار الخامس والعشرين من يناير فى ميدان التحرير.
ليس من شك فى أن ما يحدث فى مصر اليوم أمر عظيم أبهر العالم كله وما كان ليحدث لولا هذه التضحيات الجمة التى قدمها شباب الثورة لتغيير الواقع المصرى من الداخل وإعادة الشموخ والكبرياء للمواطن المصرى، واعتداده بنفسه أمام العالم فى الخارج وذلك بعد أن عاش نحو ثلاثة عقود من المهانة والاضمحلال الإنسانى داخل مصر وخارجها بسبب السياسة العقيمة للنظام البائد التى أفقدت مصر دورها القيادى للمنطقة العربية والإقليمية.
لا شك فى أن إرداة ذلك الشباب الطموح قد التقت وأفكار عامة الشعب بكافة طوائفه واختلاف مشاربه الفكرية والثقافية فاكتملت الصورة الرائعة التى تحلى بها الإنسان المصرى فى الشدائد والأزمات فكان الجميع يمضى بما فيهم القيادة العامة للقوات المسلحة نحو هدف واحد وهو تحقيق أهداف الثورة المباركة وإنجاحها وعلى نسق معتدل وإن اختلف السياق من حيث تناول الأفكار وتعدد الآراء مما زاد من سقف التطلعات الذى وصل فى النهاية ذروته فأطاح الشعب بالرئيس السابق والذى ظل مستمسكا بتلابيب الحكم ومقاليد السلطة حتى اللحظات الأخيرة فى عجرفة و عناد وكبرياء اعتاد عليها على مدى سنوات خلت، لقد كان يعتبر الشعب رعية خاضعة لأوامره ورغباته وتحقيق أهدافه فكان يقعده متى شاء ويقيمه بإذنه متى أراد هو وكأنه فرعون حين خاطب أهل مصر فى القرون الغابرة بقولة (أنا ربكم الأعلى ) وقد كان نتيجة طغيانه الهلاك وقد ظن مبارك أنه رب العباد ومالك أقواتهم وأرزاقهم فموارد مصر يعتبرها حق مكفول له ولأسرته يهدى بها من يشاء ويمسكها عمن شاء.
غير أن الأخبار المتواترة تشير إلى أن أراضى الدولة ومنتجعاتها قد قسمت على الأعوان والمقربين وحتى عرش مصر لم ينجو من سطوته فكان يعده بموجب المادة 76 المعدلة فى 2005ليورثه لابنه الذى ظن بنفسه أنه مولود من أجل اعتلاء هذا العرش ولن يقبل دونه أى منصب.
وقد قدمت والدته سوزان الكثير له من أجل أن تراه يوما رئيسا للبلاد حسبما طالعتها ضاربة الودع بهذه النبوءة الكاذبة والتى جعلتها فى يوم من الأيام تفكر هى وابنها وحاشيتهما فى عمل التدابير اللازمة للإطاحة بزوجها لتنصب الابن رئيسا للدولة على حساب أبيه، وقد صدق فيهم قول الله العظيم فى سورة التغابن: (يا أيها اللذين أمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ) آية (13).
ليس غريبا أن يدفع معظم المصريين الشرفاء ثمن أحلام عقيلة الرئيس المخلوع وابنها ولكن الله تعالى عزيز ذو انتقام فقد أمهل الفئة الباغية حتى إن تمادت فى بطشها وظلمها بين الناس ردحا من الزمان أخذها أخذ عزيز مقتدر.
وجاء اليوم الذى لا ينفع فيه تدابير الشريف الماكرة ولا مجلس سرور سيد قراره ولا أمن العدلى الجائر ولا غطرسة عز الكاذبة فقد هوى الجميع فى مكان سحيق ماله من قرار فبعد أن كانوا بالأمس عقل النظام الذى يعبث بمقدرات مصر والمصريين ويده الذى يبطش بها ورجليه اللتين يطأ بهما رقاب العباد فاليوم هم أنفسهم دليل إدانة دامغة لزعيمهم المخلوع حيث يجتهد كل واحد منهم فى أن يمط عن نفسه التهم المنسوبة إليه ليلقى بها على رئيسه المخلوع لينجو ببدنه فكانوا بالنسبة لمبارك بمثابة الأعضاء التى تشهد على صاحبها يوم القيامة وقد أنطقها الحق الذى أنطق كل شىء وكانت النتيجة الحتمية إنما هى استدعاءه للتحقيق معه فيما نسبه إليه أعوانه من تهم قضت بحبسه لمدة 15 يوما احتياطيا لحين الانتهاء من هذه التحقيقات وعلى وجه الخصوص إطلاق النار على المتظاهرين الثوار وينتظر مثوله أيضا خلال الأسبوع الجارى أمام جهاز الكسب غير المشروع لاستجوابه عن أسباب تضخم ثروته التى جاوزت المليارات فى حين أن الشعب يعانى من أزمات متعددة وطاحنة تتمثل فى الفقر والجهل والجوع والمرض والتى ترجع أسبابها إلى أطماع النظام السابق فى سلب و نهب موارد الدولة بأكملها دون أن يبقى لهذا المواطن المسكين فتاتا يدفع به ألم الجوع أو يوفر له علاجا مجانيا فى مستشفيات الدولة للقضاء على الأمراض المزمنة والمتوطنة التى باتت تفتك به.
جملة القول لقد أصبح لدى المواطن المصرى قناعة كبيرة فيما قدمه المجلس الأعلى للقوات المسلحة من جهود مثمرة من أجل الحفاظ علي مكاسب الثورة دون المساس بها كما أثبت القائد الأعلى للقوات المسلحة وطنيته الحقة حين امتنع عن تقلد أى منصب جديد دعاه إليه الرئيس المخلوع إبان أحداث الثورة وكذلك عدم الاستماع إلى أوامره بتفريق المتظاهرين بالقوة كما فعل نظيره وزير الداخلية المخلوع ومع ذلك كله تزداد قناعة المواطن أيضا حين تتحقق العدالة الكاملة دون تستر على أحد مهما كان منصبه أو مكانته وحين يكون الجميع أمام القانون سواء غير أنهم يطمعون أيضا فى معاقبة رئيسهم المخلوع بما اقترفه فى حقهم على مدى 30 عاما تستحق القصاص منه وذلك دون أن ينجو ببدنه ليكون لمن خلفه آية .
رمضان عبد الوهاب يكتب: وداعا تدابير الشريف وغطرسة عز
الخميس، 21 أبريل 2011 07:33 م
أحمد عز
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة