تسيير الأعمال يعنى استمرار ما هو قائم ويعنى البعد عن أى تغيير ذو شأن، يعنى أيضا أن الأمر ليس بيد من يسير تلك الأعمال، يعنى فى عمق ما يعنيه البعد عن وضع استراتيجيات مع ما يستتبع ذلك من بعد عن إعمال الخلق والإبداع فى الأداء.
البعد اليوم عن الثورية فى الفكر والأداء وعن التحرك من خلال تخطيط إستراتيجى شامل هو خطيئة، نمر اليوم بمرحلة تتميز بولادتها من رحم ثورة على ما كان، مما يجعل التغيير الجذرى أحد أهم مقتضياتها.
تتميز هذه المرحلة أيضا بكونها عصب ما بعدها فإما نتوازن إقتصاديا واجتماعيا وبسرعة وإما نفقد التوازن ومعه ما بشرت به الثورة من مستقبل مشرق وروح جديدة بناءة ودافعة إلى النهضة.
نرى حتى الآن دعما شعبيا لرئيس الوزراء الذى تؤمن الغالبية بنظافة تاريخه ويده وبقدرته إذا أخذ فرصته على أن يعبر بمصر من عثرتها على الأقل فى ميادين الاقتصاد وانضباط الحياة.
يظل السؤال هو: هل يصح أن يعمل رئيس الوزراء ذو العقلية النابهة والذى جاء من رحم الثورة بيد مقيدة تحت عنوان حكومة تسيير الأعمال، هل يصح أن تتداخل معه دوائر النفوذ فتكون الأغلبية من وزرائه حتى الآن من أتباع الحزب الوطنى ثم تأتى حركة تغييرات المحافظين لتؤكد نفس التوجه، يحتار المرء عندما يلاحظ تلك الحركة وقد قادتها نفس عقلية أهل الثقة التى أسس لها جهاز مباحث أمن الدولة المنحل، اعتمدت الحركة على نقل المحافظين الذين تولدت ضدهم حساسيات فى محافظاتهم إلى محافظات أخرى وكأن احتياطى مصر من المصريين الأكفاء قد نفذ، اعتمدت الحركة أيضا على عدد يلفت النظر من لواءات الداخلية السابقين فى تنفيذ لنفس الفكر الأمنى السابق وكأن مصر قد خلت من المدنيين الأكفاء الذين هم بتعاونهم مع مديرى الأمن بمحافظاتهم أكثر من قادرين على إعادة الانضباط الكامل للحياة.
إن كان هذا يعنى شيئا فهو يعنى أن هناك من يتداخل فى القرار وبقوة إلى حد فقدان الحس السياسى، الحس السياسى فى هذه المرحلة يجعل صاحبة يقدر تماما أهمية التواصل مع الشعب واستشعار توجهاته وبالتالى بناء الثقة مع شعب فقد الثقة فى حكوماته على مر ثلاثين عاما مضت، بدون بناء هذه الثقة نفقد أهم مقومات النهضة المأمول فيها.
نؤمن كشعب أن رئيس الوزراء الحالى عنده من الحس السياسى ما يكفى لبناء هذه الثقة، فلتكف الأيدى عن التداخل فى مهمته ولتطلق يده فى اختياراته سواء فى وزرائه أو محافظينه ولنكف عن تسمية وزارته بوزارة تسيير الأعمال.
إن اهتزاز رصيد مصر واحتياطيها فى كل المجالات لا يعطينا بكل التأكيد رفاهة إهدار عدة شهور تحت عنوان تسيير الأعمال، إن إنقاذ بلدنا فى هذه الشهور لهو الحياة لها وذلك يستلزم الإبداع فى الفكر الاستراتيجى وفى التنفيذ وأن يكون ذلك بيد غير مغلولة تحت توصيف تسيير الأعمال و بتداخل دوائر أخرى للنفوذ.
إن من الأهمية بمكان أن يتواصل الحوار مع المجتمع وأن يزيد التصارح فى أجواء من الشفافية وأن يتم إشراك المجتمع المدنى بخبرائه المخلصين والأكثر بروزا فى دراسات متعمقة وبالتوازى فى كل المجالات وإشراكه أيضا فى صورة متطوعيه الأكثر نشاطا وقدرة من أجل بدء نهضة مصر فى أسرع وقت.
يخطئ من يظن أن الشعب لا يراقب ولا يترجم كل إشارة يلتقطها إحساسه المرهف، يخطئ من يظن أن ثقة الشعب تأتى بسهولة بدون السعى وبإخلاص من أجلها، تخطئ كل الأيادى التى تتداخل مع رئيس الوزراء فى قرارات تستلزم الحس السياسى وهو الذى يحوز ثقة الشعب.
يخطئ بكل تأكيد من يصر على غل يد رئيس الوزراء تحت يافطة حكومة تسيير الأعمال.
* أستاذ بطب القاهرة .
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة