قبل عدة سنوات زرت الجزائر فى الأول من أبريل حيث نشرت الصحافة خبرا يفيد قيام الرئيس الجزائرى الأسبق شاذلى بن جديد بالتوقيع على مذكراته الشخصية التى أصدرها فى إحدى مكتبات وسط الجزائر العاصمة، واحتشد الآلاف لشراء الكتاب والحصول على توقيع بن جديد، وكلهم شغف فى قراءة مذكرات هذا الرجل، الذى أجرى أول انتخابات ديمقراطية فى الجزائر وفازت بها الجبهة القومية للإنقاذ، قبل أن يلغى نتائجها وتبدأ حربا طاحنة، بين الإسلاميين والحكومة.
وأخيرا اتضح للجميع أن هذا الخبر ليس أكثر من كذبة أبريل، فلا الشاذلى بن جديد كتب مذكراته، ولا هو ذهب لتوقيعها، ولا السلطات الجزائرية سمحت لبن جديد أو غيره بالكشف عن تفاصيل هذه المرحلة المهمة والحرجة من التاريخ الجزائرى الحديث، والتى لا تزال حبلى بالأحداث، ومنها من وقف وراء اغتيال الرئيس الجزائرى السابق محمد بوضياف؟
فى سبعينيات القرن الماضى كانت كذبة أبريل حدثا مهما فى الصحافة المصرية، واستمرت حتى الثمانينيات، لكنها توقفت، فحجم الكاذيب التى أصبحت تمتلئ بها الصحف وبشكل يومى لا تحتاج لتلفيق كذبة واحدة فى الأول من أبريل، بل أعتقد أنه إذا دققنا النظر فى صحافة مصر المحروسة سنكتشف أن الأكاذيب فيها لا تنتهى.
وتقتضى القواعد المهنية المنظمة لمهنة الصحافة فى أى مكان فى العالم، عدم نشر أى أخبار مرسلة مجهولة المصدر، وعدم توجيه أى اتهام لأى شخص دون وجود دليل مادى ملموس على هذه الاتهامات، فى ذات الوقت الذى يجب فيه أخذ رأى أى شخص فى التهم التى تلصقها به الصحافة.
الكثير مما تنشره الصحافة الآن يعتمد على بلاغات تقدم بها أشخاص إلى النيابة العامة للتحقيق فيها، ومن وجهة نظر القانون لا تعد البلاغات إلى الشرطة أو النيابة جرائم إنما مجرد اتهامات يجب أن تخضع للتحقيق، وتقرر النيابة إما حفظها أو تحويلها إلى المحاكمة إذا رأت ان فيها ما يستوجب المحاكمة.
وفى أقصى الأحوال يجب على الصحافة ووسائل الإعلام المختلفة فى هذه الحالة التعامل مع البلاغات فى حدها الأدنى، بمعنى أن فلانا قدم بلاغا لنيابة يتهم فيه فلان بكذا، ثم تسأل المشكو فى حقه عن صحة الاتهامات الموجهة إليه، لكن التوسع فى نشر الاتهامات أمر يخالف قواعد المهنية الصحفية.
وللأسف الشديد لا تتحرى الصحافة الدقة فيما تنشر حتى تحول معظم ما تنشره إلى ما يشبه كثيرا كذبة أبريل الخاصة بالرئيس الجزائرى الأسبق شاذلى بن جديد أو غيره، مجرد أكاذيب، يمكن لمن طالته الرجوع إلى النيابة العامة والقضاء لطلب تعويض مادى وأدبى عما لحقت سمعته من اتهامات مرسلة.
مصر تتغير، لكن المشكلة أننا لا نربط هذا التغيير بالقانون، لا فى الصحافة ولا فى غيرها، فقد تخلى الرئيس مبارك عن سلطاته منذ 11 فبراير الماضى أى منذ نحو 50 يوما، تم خلالها إحالة عشرات القضايا المتعلقة بالفساد إلى القضاء، ومع ذلك هناك من يرى أن الإجراءات القانونية بطيئة جدا، بل وأصبح البعض لا يريد مثل هذه الإجراءات القانونية، ويطالب بإحالة الناس إلى محاكمات عاجلة، وإصدار أحكام بمنتهى السرعة تدين الناس حتى ولو لم تتوفر لها قواعد المحاكمة العادلة.
وقبل 25 يناير كنا نشكو من أن العدالة لا تطبق إلا على الصغار فقط، وبعد 25 يناير نريد إعدام كل الكبار فى ميدان التحرير دون محاكمة عادلة.. ولا يوجد خلاف كبير بين الحالتين سوى أننا لا نريد أن يأخذ القانون مجراه، وتبطق العدالة على الجميع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة