إن ما حدث فى استاد القاهرة منذ عدة أيام يحتاج منا لمراجعة عميقة لأخلاقنا وسلوكنا بعد الثورة.. على قدر ما كانت مصر فى حاجة لثورة الحرية والعدالة للتخلص من الكبت والظلم والفساد والفقر، فإنها على نفس القدر تحتاج لثورة الأخلاق والضمير للتخلص من فساد الأخلاق والذمم والسلوك المشين فى جميع نواحى الحياة.
إن أسوأ ما فعله حسنى مبارك ليس السلب والنهب، وليس إفساد الحياة السياسية، وليس خيانة أمانة الشعب والأمة، ولكن فى ظنى أن أسوأ ما فعله هو نشر ثقافة الفساد الخلقى والسلوكى فى جيل من هذه الأمة، من خلال وزرائه وحزبه والمحيطين والمسئولين فى الإدارات والوزارات والمحليات والبنوك والجامعات والشرطة، وبذلك يضمن استمرار الفساد والفوضى من بعده فترة من الزمن.
لقد صارت الرشوة والمحسوبية والغش وعدم احترام القانون والتعدى على المال العام والأملاك العامة والخاصة، عرفا سائدا لا ينكره أحد، وقد ساعد على ذلك إضعاف وإهانة دعاة الدين والمؤسسات الدينية مثل الأزهر والأوقاف، والتى صارت تابعة للرئيس، تدافع عنه وتأتمر بأوامره وتؤيد قراراته، وكذلك إضعاف مناهج الدين والأخلاق فى التربية والتعليم.
إننا وبعد الثورة الناجحة فى25 يناير حققنا قدراً كبيراً من الحرية والكرامة، ولكننا حتى الآن لم نصلح شيئاً مما فعله مبارك من فساد الأخلاق والسلوكيات، فكثير من الغوغائيين والبلطجية استغلوا الثورة فى السلب والنهب والسطو والخطف والاغتصاب، وكثير من الفلاحين تعدَوا على الأراضى الزراعية، وكثير من المقاولين استغلوا غياب الرقابة فى البناء والتعلية بدون ترخيص، وفى الشوارع سلوكيات عجيبة صاحبت غياب الشرطة، فالسيارات وبخاصة الأجرة والنقل تكسر الإشارات وتسير عكس الاتجاه، وتسد نهر الطريق، أما البائعون الجائلون فيسيطرون على شوارع بأكملها، والمظاهرات الفئوية كان بعضها انتقاماً وتصفية حسابات أو أنانية وتعطيل للإنتاج.. ثم جاءت أحداث مباراة الزمالك لتكشف وجهاً قبيحاً لشباب مبارك التائه العابث المخرب، الذى فقد الانتماء والاحترام والقدوة.
إن غياب دور المؤسسات الدينية والمناهج الدينية فى صنع الإنسان الصالح، الذى يحب بلده ويحب الخير لكل الناس كان له أسوأ الأثر فى عهد مبارك، إننا فى المرحلة القادمة فى أشد الحاجة لتشجيع الدولة للمؤسسات الدينية مثل الأزهر والأوقاف والكنيسة، وكذلك مسئولى المناهج الدينية فى التربية والتعليم، والدعاة المعتدلين فى المساجد والنوادى والفضائيات، لنشر الأخلاق والسلوكيات الحسنة مثل الصدق، والأمانة، وإتقان العمل، وحب الخير للناس، ومساعدة الضعيف، وتوقير الكبير، وقدسية الملكية العامة والخاصة، وتحريم وتجريم الغش، والرشوة، والاعتداء على الأموال العامة وترويع الناس أو الإيذاء البدنى أو النفسي.
لابد من إعطاء الفرصة للمؤسسات الدينية لوضع البرامج لصناعة المواطن الصالح فى التربية والتعليم، والجامعات والمؤسسات الحكومية، وكذلك لابد أن تشمل برامجهم كليات الشرطة والكليات الحربية، حتى يتخرج حماة القانون والوطن مواطنين صالحين، يراعون الأمانة والذمة والوفاء.
إن بناء الأمة فى كل نواحى الحياة لن ينجح أبداً، بدون بناء الأخلاق والضمير، فقد جربنا كم أوصلنا فساد الأخلاق والذمم إلى الفقر والظلم والجهل والمرض، وصدق أحمد شوقى:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
د. عمرو حسنى يكتب: نحتاج ثورة فى الأخلاق والسلوك
الإثنين، 18 أبريل 2011 12:10 ص
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة