معصوم مرزوق

الناتو فوق القانون

الأحد، 17 أبريل 2011 08:08 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هذا المقال ليس بالضرورة عما يفعله حلف الناتو حالياً فى ليبيا، وإنما محاولة للفهم...

حلف شمال الأطلسى الشهير بالــ NATO هو تحالف سياسى عسكرى يجمع بين ضفتى المحيط الأطلسى تم إنشاؤه فى الرابع من إبريل عام 1949، ويهدف أساسا لتحقيق الأمن والسلام فى القارة الأوروبية التى أشعلت حربين عالميتين فى القرن الماضى.

طبقا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة فإنه يجوز للدول الأعضاء أن تتخذ من الإجراءات الفردية أو الجماعية ما تراه مناسبا للدفاع عن النفس فى حالة تعرضها لهجوم عسكرى، حتى يتخذ مجلس الأمن الإجراءات الضرورية للحفاظ على السلم والأمن الدوليين، على أن تقوم الدول الأعضاء بأخطار مجلس الأمن فورا بإجراءاتها.

وقد شهد ذلك الحلف مؤخرا تطورات جديدة تتواكب مع المتغيرات التى طرأت على العالم بعد انتهاء الحرب الباردة، وبدأ يمد أطرافه كى يأخذ تحت جناحيه بقايا حلف وارسو شرقا، وبعض مناطق جنوب البحر الأبيض المتوسط، وفى هذا الإطار بدأ الحلف فى استخدام أدوات جديدة مثل مجلس الشراكة الأوروبى / الأطلسى، والمشاركة من أجل السلام، وميثاق الأطلسى / أوكرانيا، والتفاهم الأطلسى / الروسى، وفى عام 1991 اجتمع زعماء التحالف فى روما حيث اتفقوا على وضع مفهوم إستراتيجى جديد يرتكز على تعريف أوسع للأمن يعتمد على التعاون والحوار، وإعادة هيكلة القدرات العسكرية، حيث يمكنها المساهمة فى عملية إدارة الأزمات وكذلك الدفاع الجماعى، وتحمل الجانب الأوروبى مسئولية أكبر فى الدفاع عن نفسه.

إلا أن اجتماع القمة الذى عقد فى مدريد فى يوليو 1997 قد حدد بوضوح أن الحلف سوف يستمر فى الدفاع عن أعضائه، والمحافظة على الاستقرار من خلال انضمام أعضاء جدد، وإنشاء مجلس الشراكة الأوروبية / الأطلسية، وتحسين العلاقات مع روسيا، وإنشاء آلية الحوار المتوسطى للمحافظة على الأمن والاستقرار فى منطقة البحر الأبيض المتوسط.

وقد كانت الضربات الجوية ضد يوغسلافيا تطبيقاً مثالياً لأحد أهم أهداف الحلف، وهو المحافظة على الأمن والاستقرار فى أوروبا، ولكن السؤال الذى يطرح نفسه فورا هو مدى الشرعية الدولية لهذه الضربات؟ وعما إذا كانت هناك أوجه للمقارنة بالحالة العراقية؟.

بادئ ذى بدء لابد من التسليم بأن ما اقترفه النظام الصربى فى كوسوفو هو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، فضلا عن أن الجرائم التى ارتكبت تدخل بغير مناقشة تحت إطار جرائم ضد الإنسانية بما يرتب مسئولية دولية على عاتق ذلك النظام، ولكن هل يبرر ذلك قيام دولة أخرى أو مجموعة دول بتوجيه عمل عسكرى ضد النظام لإجباره على التوقف عن ممارساته الوحشية؟.

الإجابة البسيطة على السؤال السابق هو النفى، لأن الإيجاب يعنى أن يتحول العالم إلى غابة ضخمة قانونها الوحيد هو القوة وإرادة فرضها بغض النظر عن شرعيتها، والشرعية المقصودة هنا ليست فى أفعال النظام الصربى، فكما قدمنا هى أفعال مجرمة، ولكن المقصود هو الشرعية الدولية ونظام تطبيقها، فإذا كانت مجموعة من الدول لا توافق على أفعال النظام الصربى، فإن هناك مجموعة أخرى من الدول تعتبر تلك الأفعال من صميم الشئون الداخلية ليوغسلافيا التى بمقتضى سيادتها لها أن تمارس ضبط وانتظام المجتمع بالأسلوب الذى تعتبره مناسبا حتى ولو أدى ذلك إلى استخدام القوة، وأنها فى مواجهة حركة تحرير كوسوفو وجدت أن استتباب الأمن فى المجتمع يتطلب إجراءات حازمة ورادعة، وهى مسألة نسبية تختلف من نظام إلى نظام ومن مجتمع إلى مجتمع، فما يصلح من إجراءات فى أمريكا قد لا يكون صالحاً فى أفريقيا، وما يمكن أن يردع ظاهرة إجرامية فى مجتمع يختلف عن مثيله فى مجتمع آخر، وهى مسائل تقع جميعها تحت مبدأ اتفق العالم كله على صيانته وعدم المساس به وهو مبدأ (سيادة الدولة).

وإذا كانت المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة هى الغطاء الذى يبرر به البعض شرعية ضربات حلف الأطلسى فى يوغسلافيا، فهو غطاء به من الثقوب أكثر من النسيج، فيوغسلافيا لم تعتد عسكرياً على أى دولة من دول الحلف المذكور، بل ولم تهدد بذلك، كما أن الحلف لم يكلف نفسه مشقة إخطار مجلس الأمن أو الدعوة لانعقاده، وهكذا فإن العمل العسكرى الأطلسى لا يوجد له سند فى نص المادة المذكورة أو حتى روحها.

فى ضوء ما تقدم يمكن بنفس تسلسل المنطق السابق أن نستنتج أن حلف الأطلسى قد انتهك الشرعية الدولية بنفس القدر الذى انتهك به النظام الصربى هذه الشرعية، والخلاف بين الانتهاكين خلاف فى الدرجة وليس النوع، والمدهش أن ضحايا هم أهل كوسوفو من الألبان.

ومن ناحية أخرى فإنه لا مجال للمقارنة، من زاوية الشرعية الدولية، مع الحالة العراقية، ففى الأخيرة يوجد على الأقل صناديق من قرارات مجلس الأمن يمكن أن تقف عليها العمليات العسكرية فى حدود معينة، ومع ذلك فهناك من يرى بعض التشابه وخاصة فى الضربات الجوية العسكرية التى تشبه نفس الضربات على العراق لتطبيق ما يسمى مناطق الحظر الجوى، فتلك المناطق لم يحددها قرار فى مجلس الأمن، وهو ما يتفق عليه عدد كبير من الدول بعضها من أعضاء حلف الأطلسى، ثم إن هناك تشابهاً آخر، حيث إن أحد أهداف هذا الحظر هو حماية جزء من المواطنين العراقيين (الشيعة فى الجنوب والأكراد فى الشمال)، وذلك أيضا داخل فى صميم الشئون الداخلية للعراق، ومن المفترض أنه جزء لا يتجزأ من سيادتها.

ولعل سؤالاً آخر يتردد الآن لدى المتشككين فى سلامة ضربات الأطلسى فى يوغسلافيا، إلا وهو: ما الفارق بين ممارسات النظام الصربى فى كوسوفو، وممارسات النظام التركى ضد الأكراد فى جنوب شرقى تركيا، بل والغزو العسكرى الذى امتد إلى بلد آخر (العراق)؟، هل يمكن أن نتوقع ضربات اطلسية ضد تركيا لإجبارها على حسن معاملة رعاياها؟ ونفس السؤال المتشكك يمكن أن يدور حول السودان بشأن الحرب الدائرة بين الحكومة المركزية والمتمردين فى دارفور، والدائرة يمكن أن تتسع دون حدود فى حين تضيق دائرة سيادة الدولة إلى حد الانعدام.

إن ما يحدث الآن هو إحدى النتائج المترتبة على انتهاء الحرب الباردة وانفراد الولايات المتحدة بالقطبية الدولية، لقد انكسرت قشرة التوازن الصلب التى تخلفت عن الحرب العالمية الثانية، وأصبح الوضع الدولى بشكل عام فى حالة من السيولة الملتهبة، وكأنه حمم منصهرة تجرى فى تجاويف الكرة الأرضية كى تصنع تضاريس جديدة للعلاقات الدولية مع مطلع القرن الجديد، والتفسير الأكثر قبولا لما حدث فى قلب أوروبا ليس بالاهتمام بمساكين كوسوفو من الألبان، وليس الانتقام من سلوبودان ميلوسيفيتش، وإنما إعادة ترتيب البيت الأوروبى، وكنس بقايا الحرب الباردة، ووضع المسمار الأخير فى نعش ما كان يسمى بالنفوذ السوفييتى فى القارة توطئة للالتفات جنوباً على متن منظمة التجارة العالمية لقطف ثمار الانتصار التاريخى للغرب على الشرق.

إن الذين يدفعون الثمن غالبا فى صراعات الأقوياء هم الضعفاء، وعندما انهارت المبانى والمصانع فى يوغسلافيا تهاوت معها كل أعمدة الحكمة التى صاغت وثيقة الأمم المتحدة، واندثرت أحلام الشعوب فى عالم يسوده العدل والسلام والأمن، وأبلغ مثال على ذلك هو ما نراه كل يوم على شاشات التليفزيون من الضربات العسكرية لطائرات حلف الأطلنطى فى ليبيا، حيث أصبح أهل ليبيا بين مطرقة القذافى وسندان الأطلسى.

ترى ما الدولة التالية على أجندة الأطلسى؟ أسماء كثيرة محتملة لأسباب عديدة، إلا أن أفريقيا البكر مرشحة أكثر من غيرها لهبوب عواصف الأطلسى الحارقة، فما زالت أوضاعها فى حالة سيولة تتقاذف حممها فى كل اتجاه وخاصة فى شرق ووسط أفريقيا، وربما أيضا هناك مسامير مثبتة على خرائط الانتظار فى بقاع آسيوية تسبب القلق للفكر الإستراتيجى الأطلسى.

وأخيرا.. ماذا ينبغى أن يفعل أولئك الذين لم ينالوا شرف الانتساب للأطلسى؟ هل ينتظرون قضاء الأطلسى وقدره؟ هل يفكرون فى تأجير مبنى الأمم المتحدة شققا مفروشة لهواة الشعر السياسى؟ هل يرحلون الى كوكب آخر؟.

إن الفضيلة الوحيدة للنظام الصربى (وربما الليبى) فى هذه الأحداث أنها أزاحت ستارا آخر حول تمثال ما يسمى بالنظام الدولى الجديد، ربما لتنبيه الغافلين الذين استناموا إلى مقولة (السلام أخيرا) فى بداية التسعينات كى يتدبروا الأمر ويقرروا ماذا يفعلون، خاصة أن نظرية توازن القوى تؤكد مرة أخرى ضرورتها وحيويتها للحفاظ على السلم والأمن الدوليين، ومن المؤكد أن خريطة العالم أكثر اتساعا وتنوعا خارج حدود نادى الأطلسى والفرص متاحة لإعادة صياغة توازن دولى جديد يخفف من عصر الهيمنة الأطلسية.

• عضو اتحاد الكتاب المصرى.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة