أخطأ الباحثون المعاصرون كثيراً وهم يرددون أن الإسكندرية شيدها الإسكندر الأكبر عند دخوله مصر، دون أن يلتفتوا إلى وجود عمران سابق لحى الإسكندرية على ساحل البحر المتوسط فى مصر، ودون أن يدرسوه دراسة وافية ويبحثوا فى جذوره.
ولذا جاءت الاكتشافات الأثرية فى مياه الإسكندرية لتكشف عن حقيقة تنفى أن الإسكندرية مدينة إغريقية، بل إنها مدينة فرعونية مصرية صرفة.
فعلى سبيل المثال يرى المرحوم الدكتور فوزى الفخرانى أستاذ الآثار بجامعة الإسكندرية أن هذا الموقع كان به 12 قرية فرعونية، أكبرها قرية راقودة أو رع قدت والتى كانت تسمى المنطقة باسمها، عاش أهل هذه القرى على حرفتى التجارة والصيد، واكتشف الفراعنة وجود مكان مستطيل شبه مغلق على شاطئ هذه المنطقة يصلح كميناء بحرى، فاهتموا به وقد اكتشف فرانك جوديو رئيس فريق البحث عن الآثار الغارقة بالإسكندرية وجود أحجار فرعونية به وأوان فخارية وأخشاب لبقايا سفن، حللها فى فرنسا بالكربون المشع، فاتضح أنها تنتمى إلى القرن السادس قبل الميلاد، أى قبل قدوم الإسكندر بمائتى عام.
وإضافة الإسكندر عندما جاء إلى مصر عام 332 قبل الميلاد إلى المكان انصبت على عملين أساسيين: الأول وصل جزيرة فاروس بساحل المدينة بلسان حجرى رفيع، سرعان ما زاد عرضه بسبب ما تحمله إليه الرياح من رمال وأتربة، وتكون بذلك ميناءان للمدينة شرقى وغربى. كان الشرقى منهما آنذاك أكثر أماناً وسلامة للملاحة ولرسو السفن.
أما العمل الثانى فكان تخطيطه حياً ملكياً يكون مقراً لحكام مصر الإغريق، هذا الحى نسب إلى مشيده الإسكندر، وكان إلى جواره الأحياء الوطنية المصرية. وبمرور الوقت ازدهر الحى الملكى وصار عمرانه يشبه الأسطورة، جسد هذه الأسطورة الروائى اليونانى أخيل تاتيوس، حين أكد أن الإسكندرية الرائعة كانت بهجة للناظرين، ونجده يؤكد أن الإسكندرية ليست سوى حى من مدينة كبيرة منسوب للإسكندر، وهذا يشبه الخطأ الذى يقع فيه المصريون اليوم حين يطلقون على عاصمتهم السياسية اسم القاهرة، بينما القاهرة تاريخياً وجغرافياً ليست سوى حى ملكى شيده الفاطميون ليكون مقراً لحكمهم لمصر. وتعود شهرة الإسكندرية الإغريقية واستيعابها للمدينة الفرعونية القديمة إلى أنها أصبحت أكبر مدينة فى العالم بعد قرن واحد من تأسيس الإسكندر لها، وما أن وافى القرن الثانى قبل الميلاد حتى كانت أول مدينة فى التاريخ البشرى يتراوح عدد سكانها بين 100 ألف و 150 ألف نسمة. وفدوا عليها من الهند وأسبانيا والعراق وغيران وتونس وإيطاليا وفرنسا.
وأصبحت المدينة الكبيرة متميزة من حيث تكوينها العمرانى، إذ كان بها ثلاث مناطق متميزة، المنطقة الأولى مدينة الإسكندر وهى الحى الملكى اليونانى ويقع على شاطئ البحر، والمنطقة الثانية مصرية وطنية فى الغرب. والثالثة فى الشرق وكان يسكنها اليهود، وهذه المناطق كانت مدناً قائمة بذاتها.
والإسكندرية هذه المدينة الرائعة اختفت نتيجة لزلزال شديد ضرب مصر فى القرن السابع الميلادى دمر دلتا النيل بأكملها وأدى إلى إخفاء مدن كاملة من الوجود كبوتو ومطوبس وفوه ودمنهور أسفل تلال، هى تلال الدلتا الأثرية اليوم. بينما غرقت الإسكندرية فى البحر.
والسؤال الذى يطرح نفسه: هل كان خافياً على علماء الآثار أن الإسكندرية الإغريقية كانت مجرد ملحق على عمران سابق لها، لم يكن هذا خافياً بالطبع، ولكن علماء الآثار فى الغرب دأبوا دائماً حين تعرضهم لنقاط التماس الحضارية بيننا وبينهم على نفى الآخر من الوجود، وهو منهج حضارى نراه لدى الغرب حين يتعامل مع أرض الهنود الحمر وحضارتهم على تجاهل وجودهم على هذه الأرض.
بل إنه من المثير للاستغراب أن اليونانيين هاجروا إلى مصر فى عصر الأسرة 26 ليستقروا بها ويشيدوا مستعمرات وقرى فى شمال دلتا النيل، مازال أسماء بعضها باقياً إلى اليوم كمطوبس.
ومن هنا نقلوا الحضارة الفرعونية بعلومها إلى بلادهم، وصارت تنسب إليهم متجاهلين نسبتها لأهلها.
بل إن التخطيط الشبكى الذى استخدمه الإسكندر فى تخطيط حيه، هو تخطيط فرعونى الأصل أثبتت الدراسات الأثرية الحديثة نسبته للفراعنة، وما زال للأسف يدرس لليوم فى كليات الهندسة المصرية على أنه تخطيط إغريقي. فهل حان الوقت لكى نصحح كثيراً من المسلمات التاريخية والأثرية من خلال مستجدات علمى التاريخ والآثار؟!.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة