لكل ثورة أصحابها وقادتها، ممن يخططون لها، ويضعون أرواحهم على أكفهم، فإذا نجحت تولوا القيادة، وإذا فشلت دفعوا حياتهم ثمنا لها، لكن هذا التقدير يصلح للقياس على الثورات التقليدية التى تأخذ شكل انقلاب عسكرى، مثل ثورة يوليو 1952 التى كان حركة ضباط وظلت تسمى الحركة المباركة حتى عام 1952 قبل أن تحمل اسم الثورة، ويتولى صانعوها الحكم، أو حتى عن طريق حزب سياسى ينزل إلى الشارع ويقلب نظام الحكم، أو حركة سرية، تقود الشعب للثورة السلمية أو المسلحة.
الحالة المصرية من 25 يناير مختلفة جداً عن مثل هذه الحالات الثورية التى يحفل بها التاريخ المصرى أو العالمى، فالثورة المصرية لم تصنع يوم الخامس والعشرين من يناير فى ميدان التحرير، وإنما هى محصلة تواريخ متتالية استمرت نحو خمس سنوات فى أماكن متعددة، من الإسكندرية إلى أسوان، ومن سيناء إلى مطروح، مروراً بكل بقعة فى مصر جربت فكرة الخروج على النظام والسلطة سواء كانت سلطة رئيس شركة، أو رئيس مصلحة، أو رئيس مدينة، أو محافظ محافظة، أو وزير فى وزارته.
ومنذ عام 2005 وحتى ميدان التحرير أكثر من ألف وخمسمائة مظاهرة، فئوية ومهنية وعامة، من تظاهر سكان زينهم للحصول على شقق سكنية، إلى اعتصام عمال المحلة عام 2008، إلى اعتصام موظفى الضرائب العقارية، وحتى احتجاجات صحفيى الأهرام على رئيس مجلس الإدارة الأسبق مرسى عطا الله، وعشرات الاعتصامات التى نام فيها المعتصمون على رصيف مجلسى الشعب والشورى لأيام.. وأيام.
وفى كل هذه المظاهرات والمطالب الاحتجاجية، حتى الاحتجاجات الشعبية فى كل دائرة انتخابية فى مصر احتجاجاً على تزوير انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، نزل معظم المصريين إلى الشوارع، عرفوا كيف يتجرءون على النظام، وكيف يتعاملون مع الأجهزة الأمنية، وجرب الآلاف فكرة الاعتقال العشوائى، حتى جمعوا حصيلة كل هذه الخبرات ليصنعوا معا هذه الثورة.
ثورة 25 يناير فى محصلتها النهائية هى حاصل ضرب أو جمع جميع المظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات التى شهدتها مصر على مدار السنوات الخمس الماضية، وتجمعت فى جمعة الغضب 28 يناير لتصنع ثورة فريدة، لم تكن ثورة شباب، وإنما ثورة شعب كامل فى كل الأحياء والمدن والمحافظات، لذلك لا يمكن القول بأى حال من الأحوال أنها حكر على الشباب فقط، لأن الشعب الذى حمل روحه على يده ونزل الشارع لم يمنح أحد توكيلا للحديث باسمه، ولا باسم الثورة.
وفى مثل هذه الثورات الشعبية السلمية لا يمكن لأحد أن يسرق حراك الشعب، ونضاله، وثورته، وأحلامه فى المستقبل، عبر أى ائتلافات مهما كان مسماها.. فكل مصرى نزل إلى الشارع هو صاحب هذه الثورة التى لم تكتمل بعد، ولا يمكن أن تكتمل وتسير فى مسارها السليم لبناء وطن ديمقراطى يتسع لجميع الآراء دون تفويض شعبى، ودون الاستماع للناس، ودون أن يجنى أهلنا فى أسوان ومرسى مطروح وسيناء والوادى الجديد وغيرها من المحافظات والمدن ثمار الثورة.. فهى ليست ثورة ميدان التحرير فقط، رغم رمزية الميدان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة